كتب الأديب والسياسي ورجل الدولة البحريني الراحل «يوسف الشيراوي» مقالا ساخرا في احدي الصحف الكويتية عام 2000 مازال الكويتيون يضحكون على ما ورد فيه من غمز ذكي كتبه المرحوم خلال زيارة قام بها للكويت في .. الخمسينيات! يقول الرجل: «لاحظت أن أهل الكويت يضعون طاسة تحت البرمة – أو الحب بكسر الحاء المصنوعة من الفخار لتتجمع بداخلها نقاط الماء المتساقطة وعندما تمتلئ يلقون بهذا الماء للدجاج والطيور الداجنة التي يربونها في بيوتهم، علما أن هذا الماء أكثر نقاء وصفاء وعذوبة من ذاك الذي يشربونه مباشرة من البرمة، ثم يقولون عنا في البحرين إننا أهل خداي البحرين بينما خداي الكويت فاقنا بكثير!!» و.. كلمة «الخداي» – للقراء غير الناطقين باللهجة الكويتية والبحرينية – تعني .. «السذاجة او قلة الفهم أو حتى العبط» وحتى اليوم، وبعد مرور أكثر من أربعة عشر عامًا علي نشر الملاحظة الساخرة من الراحل «الشيراوي» مازال اهل الكويت يتذكرونها ويقولون لأنفسهم.. «والله كلامه عدل.. هالريال»!! هناك مثال آخر ربما لم يلاحظه الأديب الكبير «يوسف الشيراوي» ليكتبه في مقاله، لكنني لاحظته وكتبته فقرأه اهل الكويت ودهشوا لأن أحدًا لم ينتبه له عبر عقود من الزمن، اذ اعتاد أهلنا على ترديد جملة.. «الله لايغير علينا»، مع أنهم أكثر شعوب العالم شكوى من.. الفساد والرشاوي والبيروقراطية والديموقراطية «التعبانة» وأزمات الإسكان والصحة والتعليم والطرق «والجنوس» و«البويات» والمخدرات وقائمة طويلة لن تكفيها صحيفة بكاملها ، ومع ذلك فإن الكويتي يردد علي الدوام جملة لم يحاول قط أن يفهم المغزى منها وهي «الله لايغير.. علينا»! فهل يريد استمرار الحال على ماهو عليه أم أن له فيها .. «مآرب أخرى»؟!.
أيضا، من علامات «الخداي- الكويتي» مفردات وجمل نسائية اعتادت المرأه تقولها لجارتها أو صديقتها أو قريبتها في جلسات «الهذره ساعات الضحى» وهي: .. «ماقلتيلي أم فلان سيلانيتكم.. فلبينية»؟! فترد عليها الآخري قائله: «لا.. والله، ياوخيتي، سيلانيتنا.. اثيوبية»!! «خداي- الكويت» ليس حكرا على المستوى الشعبي بل الرسمي أيضا، فخلال الحرب الأهلية في لبنان مابين عام 1975 وحتى عام 1990 صدر قرار حكومي بمنع المواطن الكويتي من السفر الي لبنان بعد تعرض عدد منهم للاختطاف والاحتجاز علي يد ميلشيات شيعية، إلا أنني – ولأسباب صحافية بحتة عام «1986» طرت إلى دمشق جوًا ومنها بسيارة أجرة إلى مركز «جديدة – يابوس» الحدودي مع لبنان محاولا الدخول إليها لكن ضباط المخابرات السورية رفضوا عبوري – بمجرد رؤيتهم لجواز سفري الكويتي- إلا أن ست أوراق نقدية من فئة العشرة دنانير طلبها مني أحد الضباط كانت كافية لأن «يرفع الحديدة» ويقول: «الله معك وبدون ختم جواز سفرك»!! وصلت إلى مدينة «زحله» والتقيت بالعميل السوري الراحل «إيلي حبيقة» الذي كان يسيطر عليها، قضيت عدة أيام وتوجهت بسيارة أجرة إلى مطار بيروت استغرقت خمس ساعات عبرت خلالها أكثر من خمسة عشر حاجزًا مسلحًا «درزي- مسيحي- مسلم شيعي- مسلم سني» وأن الضابط السوري المرتشي طلب مني عدم العودة برًا إلى سوريا، اذ قد يكتشف ضابط آخر أن زميله قد باع حدود بلاده .. بستين دينارًا!! وصلت مطار الكويت وهبطت طائرة «الميدل – ايست» في ممر خاص بها لسهولة تفتيش ركابها القادمين من منطقة حرب، فنزلت وتوجهت الي موظف الجوازات الذي دهش من رؤية جوازي الكويتي، فقال باستغراب:.. «منين جاي؟ من لبنان»؟! فقلت: «لا من القاهرة» فصدقني وختم الجواز، بينما اللوحة التي لا تبعد أكثر من عشرة أمتار منه لا تظهر عليها الا إشارة وصول طائرة «الميدل- ايست» من .. بيروت!! البحرينيون تفوقوا علينا في صنع «الحلوى» وتفوقنا عليهم في .. «الخداي»!! رحم الله «يوسف الشيراوي» وأسكنه فسيح جناته!