قبل حوالي ست – أو سبع سنوات – جاءتني مكالمة هاتفية من رجل أعمال كويتي ملياردير صديق احتوت على طلب عجيب وغريب ومضحك منه!! ماذا يريد؟! أخبرني بأنه تقدم برخصة لـ «القنص» في صحاري الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن سفيرهم في الكويت تمنى على الصديق – عاشق «القنص» – أن يتدبر عشاء عمل يجمعنا فيه نحن الثلاثة! أنا وسعادة السفير والملياردير! وافقت.. وجاء الرجل ودار حديث طويل قبل العشاء وخلاله وبعده سنجد وقتا لنشره قريبا، لكن إحدى أهم فقراته حين اشتكى سعادته من «تضارب الأوامر التي تصل إلى سفارته من مكتب المرشد العام للثورة مع أوامر أخرى تصل من وزارة الخارجية، وإنه – في أحيان كثيرة يحتار في تنفيذ تعليمات الأول أم..الثانية»!! قبل تلك العزومة الغريبة بنحو سبع سنوات أخرى، كان وزير الإعلام في الكويت هو الصديق المرحوم الشيخ سعود الناصر الصباح، والذي شغل منصب السفير خلال الغزو العراقي في واشنطن، وفي مساء «أغبر» جاءني اتصال من شخص يتكلم العربية «بلكنة فارسية قائلا إنه… «الملحق الإعلامي الجديد» في سفارة الجمهورية الإسلامية ويطلب موعدا عاجلا للقاء في مكتبي… بالجريدة!! تم تحديد الموعد في الثامنة من مساء اليوم التالي، فجاء الرجل، في أواسط الثلاثينات من عمره، الذقن الإيراني «المعروف»، مع بنطال رمادي وقميص أبيض وشعر منكوش، حاملا حقيبة صغيرة أخرج منها أوراق وقلما، ثم وضع ساقا على ساق وابتدأ حديثه معي قائلا بلغة عربية تكسرت أضلعها واحدا تلو الآخر «أنت ليش يسوي علاقات مو زينة بين شعب كويت وشعب إيران في كتابات مال.. إنت»؟! ضحك كثيرا عندما طلبت منه أن نتحدث باللغة الإنجليزية حتى يفهمني وأفهمه وفوجئت حين أبلغني بأن «إنجليزيته» مثل… «ألمانيتي» التي لا أعرف منها حرفا… فقررنا الاستمرار والتواصل بلغة… «خادمات البيوت مع المعزبات»! رددت على سؤاله بسؤال قائلا له «معلوماتي ان وزير الإعلام المسؤول عن ما يكتب في جرائد الكويت هو الشيخ سعود الناصر، فهل أصبحت وزيرا للإعلام عندنا… واحنا ما ندري»؟!
تجاهل سخريتي، وقفز إلى سؤال آخر عن الانتخابات البرلمانية التي كانت قد تمت قبل حوالي شهور، واستغربت من وقاحته – أولا – ثم من غبائه ثانيا ليحكي أمرا كهذا أمام كاتب صحافي داخل مكتبه قائلا «نحن نقول دائما لنوابنا في مجلس الأمة…»! لم أدعه يكمل، فاستوضحته «نوابكم؟ من نوابكم؟ هل لديكم نواب في مجلس الأمة الكويتي؟» فأجاب بـ«نعم… النواب الشيعة» وكانوا وقتها ثلاثة! عرفت – وقتها – أنني في حوار «طرشان» مع هذا الدبلوماسي الإيراني «الدفش» فأنهيت الاجتماع بحجة موعد كتابة المقال اليومي، وأوصلته إلى باب المصعد ليكمل غباءه غير المعقول بهذا الطلب «إستاز فؤاد، هذا كلام كله في اجتماع إنت مو لازم يقوله لأي مسؤول كويتي»! فقلت له «يصير خير» وهي جملة كويتية تستطيع أن تمطها من باب جريدة «البلاد» بوسط العاصمة البحرينية حتى أول مدخل مدينة عمان الأردنية! اتصلت بوزير الإعلام وأبلغته بكل ما دار، فاتصل بصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وكان وقتها نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية وأبلغه بما دار! في صباح اليوم التالي، أصدرت الخارجية تعميما على كل السفارات المعتمدة في الكويت بأن زيارات الدبلوماسيين للصحف والالتقاء بالعاملين فيها محظورة، ولا يسمح إلا للسفير بالالتقاء مع رئيس التحرير وبناء على موعد مسبق! وهكذا كان إلى يومنا هذا، ولم أر بعدها صاحب مقولة «إنت ليش يسوي علاقات مو زينة بين شعب كويتي وشعب إيراني»! الثورات تبدأ… بثوار وتنتهي.. بثيران.