أضحكني قول زميل ورئيس تحرير جريدة مصرية عبر مكالمة هاتفية معي خلال زيارته القصيرة إلى الكويت إن «سقف حرية الصحافة في مصر لم يعد موجودا، لقد أزلناه بالكامل وصرنا نشاهد السماء».
قبل عام 1990، كان البرلمان معطلا والصحافة تحت سيف الرقابة الحكومية، و«سقف الحريات» عندنا يرتفع مترا واحدا عبر الأرض فقط مما جعلنا نكتب مقالاتنا ونحن في وضع القرفصاء وأحيانا في وضع.. الانبطاح إما على البطن أو على.. الظهر.
في ذلك الزمان، زارتني صحفية أميركية تعمل في صحيفة «نيويورك تايمز» جاءت لتغطية أخبار «حرب الناقلات» التي أشعلتها الجارة المسلمة إيران ضد السفن الكويتية المحملة بالنفط وهي في طريقها إلى العالم الحر.
وقالت لي: «سيد فؤاد إن مقالك اليومي الآن صار أقوى مما كان عليه قبل فرض الرقابة الحكومية»، فسألتها: «إزاي»؟
فردت، الذكية والفصيحة، قائلة: «لأن مقالك الآن أجاز نشره الرقيب الحكومي، وبذلك، أصبح يعبر عن الرأي الرسمي.. للدولة».
بعد أن دعوت لها «بطول البقاء» أجبتها قائلا: «أرجو أن ينال ما تنشرينه في صحيفتك الأميركية نفس ما نال مقالي من قوة بعد أن تصدر الحكومة في واشنطن قرارا بمراقبة صحافتكم ووضع رقيب عليها يرسلونه إليكم من البيت.. الأبيض».
بعد تحرير الكويت وعودة البرلمان ارتفع «سقف الحرية» إلى طول قاماتنا تماما، فأصبحنا نستطيع الكتابة ونحن في وضع الوقوف، ثم مرت السنوات وارتفع السقف لأكثر من مـــتر، فوق رؤوسنا، فصار بالإمكان أن نكـــتب وأيادينا مرفوعة إلى أعلى، واحدة تمسك بالقلم والثانية تمسك.. بالورقـــة.
و لكن قانون المطبوعات الجديد كان يضع «طابوقة» جديدة يدسها تحت أقدامنا، بين الحين والآخر، فترتفع قاماتنا عن الأرض ويزداد اقتراب رؤوسنا من.. السقف، فندخل في سباق «توم وجيري» الشهير.
جربت، سابقا، الكتابة في صحيفة حكومية صدرت في المنفى، ثم في صحيفة «الأخبار» القاهرية «القومية» لأكتشف أن طعم الكتابة في جريدة مملوكة للدولة مثل طعم قبلة الزوجة، وطعم الكتابة في صحيفة خاصة مثل طعم «قبلة الحبيبة» بشرط ألا ينتهي هذا الحب بالزواج.