يعيش التيار الاسلامي الوسطي في السنوات الاخيرة أوضاعاً صعبة في أنحاء المعمورة، حيث تتكالب عليه الأمم والأحزاب والثقافات من كل حدب وصوب، سلاحهم الاعلام الكاذب والمال السحت، في الوقت الذي كان يجب على الجميع احترام هذا التيار لأنه احترم مبادئه والتزم بالسلمية في مسيرته والاعتدال في منهجه وافكاره، حتى انه عندما أتيحت له الفرصة للوصول للحكم لم يصل عن طريق الدبابة ولا الرشوة، بل عن طريق مبدأ الشورى والديموقراطية وصناديق الانتخابات، بل انه عندما تم اقصاؤه بالدم لم يعامل خصومه بالمثل بل التزم السلمية من مبتداه الى منتهاه! ومع هذا تم التعامل معه بالعنف والاكراه والتشويه والاقصاء!
اليوم هذا التيار المعتدل في الكويت يعيش هذه المعاناة، ففي الوقت الذي تتفضل القيادة السياسية في البلاد برعاية احتفالية جمعية الاصلاح الاجتماعي بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيسها، نجد خصوم هذا التيار يستشيطون غضباً ويفقدون اتزانهم ويخرجون عن حدود المألوف في تعاملهم مع الحدث!
أقول هذا الكلام بعد ان شاهدت انحرافاً في خط احدى الصحف اليومية التي كنا نصفها بالمعتدلة، مقارنةً بمثيلاتها من بقية الصحف عندما كتبت في صدر صفحتها الاولى تحرض وزير الاوقاف على هذا التيار الوسطي وتطالبه باستكمال ما سار عليه الوزير الذي سبقه! وهم يعلمون قبل غيرهم ان الوزير السابق قام باحالة عدد من العاملين في وزارة الاوقاف للنيابة بتهمة شبهة وجود تجاوزات مالية في بعض الادارات! ربما من دون ان يتم التحقيق فيها من الجهات المختصة بالوزارة، هكذا خذوه فغلوه!
اذن لماذا وعلى ماذا تحرض الصحيفة وزير الاوقاف الجديد؟ هل تقبل ان تتم احالة موظف للنيابة ووقفه عن عمله والتشهير به بالصحف وامام العامة من دون تحقيق أولي؟! ثم نفاجأ بالجريدة (المعتدلة) نفسها تنشر مقالا تحليلياً لأحد المسؤولين فيها، يتهم التيار نفسه بالعنف والتطرف والسعي للسلطة والحكم، ويحرض اميركا والغرب على التعامل معه كتيار ارهابي! ويستدل بكلامه على تقرير من لندن لم يصدر بعد، بل ان المؤشرات كلها تقول ان التقرير في اتجاه تبرئة هذا التيار من الارهاب! ولا ندري سبب هذا الحماس في الجريدة ضد هذا التيار.
ويبدو ان مسلسل الاقصاء لهذا التيار سيستمر وقتاً من الزمن، فقد قررت اذاعة القرآن الكريم استبعاد كل مشايخ الاصلاح من برامج الاذاعة، واستحدثت لها عذرا غريبا، وهو ان المؤهل الشرعي شرط لالقاء الخطب والمواعظ والدروس في الاذاعة، وعليه تم منع المشايخ احمد القطان واحمد الفلاح والبلالي وناظم من برامجهم الدعوية والتوجيهية، وأستغرب كيف يمنعون شيخاً مثل احمد القطان من برنامجه الذي رعاه خمسة وعشرين عاما ومن دون مقابل مادي، واهتدى على يديه الكثير من الشباب والنساء بحجة المؤهل الشرعي! انها الحرب على التيار الوسطي، ودفع الحليم والعاقل الى التطرف ولا حول ولا قوة الا بالله!
اليوم يعيش العاقل حيران في هذا الزمن الغريب، انقلبت المفاهيم، أصبح المتعاطف مع الفلسطينيين في قضية القدس متطرفاً، وأصبح التخابر مع اسرائيل أمرا معتادا بينما التخابر مع حماس خيانة! أصبح الذي يصل للحكم بالانتخاب يسحل ويقتل ويطارد، بينما الذي يقتله ويسحله يصل للحكم ويسمى ولي أمر متغلبا! واصبحت المطالبة بالالتزام بمبادئ الدستور سببا كافيا لاقصائك، هذا عندنا في معظم الدول العربية والاسلامية! أما في الغرب فهم يعدون الان قرارا يتم فيه منع لبس الحجاب في المدارس!
انه فعلا الزمن الاغبر..!