الغربيون، أولاد التي تفضح الحارة، لا يعترفون بمبدأ “المجالس أمانات”. البريطانيون والأميركان يعلنونها بالفم الشمتان: “المجالس مانشيتات”، ويتبجحون: “من حق الشعب الاطلاع على وثائقنا السرية، وكواليس محادثاتنا مع مسؤولي الدول الأخرى… بعد انقضاء فترة معينة من الزمن”. ليش يا أولاد “نقالة الحكي”؟ لأن الوثائق هذه والمحادثات تلك ليست شأناً خاصاً، بل شأن عام يهم الشعوب، وهي المعنية به، لذا من حقها معرفة التفاصيل والأسرار.
والحمد لله الذي فضلنا على الأميركان والإنكليز واليابانيين والأوروبيين والأستراليين وأمثالهم، نحن العربان يجتمع مسؤولونا، ويتباحثون في “الشأن الخاص”، مثل؛ كيفية خنق الحريات ومنع الإعلام من نشر كذا وكذا، وكيفية تحويل مسمى المعارضين إلى إرهابيين، وكيفية صرف أموال الشعوب على ملذاتهم ومسامير كراسيهم، وأشياء أخرى لا علاقة للشعوب بها، لا من قريب ولا من شاف ولا من دري.
لكن الذي نرفزني وغاظني، هو ما فعله اليهود أبناء اليهودية، عندما كشفوا أمس الأربعاء تفاصيل مباحثاتهم مع الرئيس العربي أنور السادات، بحجة خبيثة كخبثهم “من حق الشعب الإسرائيلي الاطلاع على تفاصيل ما حدث وكيف كان تفكير قياداته”! أيا أولاد اليهودية، إذا كان يحق لكم كشف أستاركم الخاصة، فعلى أي أساس تكشفون أستاراً مشتركة معنا نحن العربان.
وبقليل من التفكير، قد تعتقد أن نشر الوثائق القديمة وكشف تفاصيل المباحثات، يضر بالأميركان وأمثالهم ولا ينفعهم، على اعتبار أن الأطراف الأخرى ستتفادى الفضائح. لكن هذه ليست طريقة تفكيرهم، فالأغبياء الأميركان واليهود والإنكليز وأمثالهم، عندما وافقوا على نشر الوثائق السرية بعد مضي فترة من الزمن، كانوا يعتقدون أن القيادات في العالم تتغير كل فترة، لذا لن تكون هناك أية حساسية دولية، والواقع يقول إن القيادات العربية ثابتة كالجبال، وحتى لو تغير قيادي عربي أو مات، فسيجلس ابنه أو أخوه على كرسيه، وهذا ما سيسبب حرجاً وتليّفاً دولياً في الكبد.
على أية حال، المجالس أمانات، والستر زين، وسيبقى الوطن العربي الشامخ بئراً للأسرار، لن تُكشف فيه وثيقة واحدة، حتى لو كانت عن اجتماع أعضاء مجلس المرور. ولا علاقة للشعوب بـ”الشأن الخاص”، كالحروب وحقوق الإنسان وغيرها.