ولو عن طريق الخطأ، لنسأل: «ترى، لماذا لا تتم إقالة المسئولين المفسدين في حكومات العالم العربي والإسلامي مضافاً إليها بالطبع، دول العالم النامي؟ ولماذا لا نسمع أو نرى أو نشاهد إقالة وزراء أو مسئولين كبار متورطين في قضايا الفساد على مستوى دول الخليج العربي؟».
ولماذا يتحسر المواطن العربي حين يتابع في نشرة أخبار أو يقرأ في صحيفة عن رئيس وزراء أو وزير أو محافظ أو رئيس حزب، استقال من تلقاء نفسه لخطأ جسيم وقع في فترة إدارته، ويغمغم وهو يتابع: «اييييه… تعال شوف اللي عندنا.. وزارة أبوهم».
قبل أيام، تناقلت بعض وكالات الأنباء خبر استقالة أحد كبار المسئولين في حكومة رئيس الوزراء الإيطاني ماتيو رانتسي لاتهام ذلك المسئول، وهو أنطونيو غينيتل، بأنه مارس ضغوطاً على صحيفة محلية (حتى لا تنشر مقالاً يتعلق بابنه).
حسناً، البروفيسور السوداني عباس محجوب محمود، تناول بالبحث عنوان «أدب الاستقالة»، فمن بين ما كتبه هذا النص: «ذكر لي أحد الإخوة عن واقعة في بريطانيا في ستينيات القرن الماضي وفي أقصى شمال بريطانيا حيث تراكمت نفايات الفحم الحجري في منطقة ما نتيجة خطأ أو إهمال من جانب المسئولين من تلك المنطقة – مثلما يحدث عندنا دائماً- ما أدى لتراكم النفايات لعوامل مناخية مختلفة، وزحفت النفايات على مدرسة للأطفال فنجم عن ذلك خسارة كبيرة ما دفع رئيس مجلس إدارة الفحم أن يقدّم استقالته وهو في لندن باعتباره المسئول الأول عن هذا الحدث الذي وقع في مكان بعيد عنه وفي إحدى إداراته. ومع أن رئيس الوزراء لم يقبل استقالته إلا أنه أصرّ عليها، ولعل هذا ما دفع وزير الصناعة في السودان عبد الوهاب عثمان للاستقالة من الوزارة حيث أعطى درساً في تحمل مسئولية الإخفاق مع شهادة الجميع بأنه لا يتحمل مسئولية ما حدث في غير ولايته، والكثير ممن يستحقون الإقالة لإخفاقاتهم المتكررة وفشلهم يجازون بالنقل إلى موقعٍ ناجحٍ لممارسة هواية الفشل والإخفاق وتحطيم ما بني، بل تدعيم عدم المعرفة لما هو مطلوب منه أو مطلوب أن يتعلمه بقاعدة التكرار وسيلة من وسائل التعلم للشطار (…)، وبالمناسبة «الشاطر» في اللّغة العربية هو «من أعيا أهله خبثاً».(انتهى الاقتباس).
أليس في ذلك كلام عجيب جميل موجز؟ حسناً، إذا تجاوزنا المعادلة التي أفرزتها الأزمة، وتشظياتها وتبعاتها بين السلطة والموالاة والمعارضة، وصرفنا النظر عن الآثار السلبية التي نتجت عن الممارسة برمتها، والتصنيف برمته، سيبقى أمامنا تصنيفٌ آخر على المستوى الشعبي، أي بين عامة الناس في البلد لتصنيف بعضهم البعض أيضاً بين مواطن شريف «مع الحكومة» وآخر عميل «ضد الحكومة»! تصنيفٌ تبدو معادلته في قمة السخف.
والأكثر من ذلك، بل الأصعب والأشد تأثيراً، أن هناك بقعةً سوداء للغاية… يفضل من يحسب نفسه على الموالاة الحديث عنها إلا من وراء «جدار»! فيما هي متكررة بوضوح وجرأة وصدق وحماس على لسان أتباع المعارضة، وهي أن هناك مسئولين لا يستحقون البقاء في مناصبهم… أبداً! فلا هم متمكنون من إدارة أعمالهم وخدمة الوطن والمواطن بالشكل الذي يخلصون فيها للثقة، ولا هم يستطيعون حتى الوفاء بأبسط تصريح أو كلمة تصدر عنهم، ولا هم بقادرين على تغيير السلبيات المتراكمة في قطاعاتهم، إلى تحولات إيجابية.
إن المشكلة كبيرة، وكل الدول التي تحترم مسئولية صيانة الوطن وحماية حقوق المواطن، تبحث عن الأكفاء والمخلصين من ذوي التاريخ الوطني المشرف والناصع البياض، لتنصبهم في مواقع إدارة الدولة، وإن وجدت فيهم من ليس بكفؤ لتحمل المسئولية أزاحته، لا سيما أولئك من طراز (الوزارة وزارة أبوه)، فيحوّلها إلى (جهد جبار) من الإنجازات بتحكم أهله وحمولته ومن يعز عليه.
على أي حال، لن نفتأ نتحدث عن حقيقة الوضع الذين يعيشه المواطنون في البلد، فمن الصعب مراضاة الحكومة بالتطبيل والتصفيق الدائم، لأن في ذلك خيانة للوطن! من جهة أخرى، لا يعني أن انتقاد الحكومة، لابد وأن يأخذ الشكل العنيف القاسي الذي يربك الأوراق ويؤثر حتى على المنهج الوطني السلمي، فوضع اليد على مواطن الخلل والتقصير والتجاوز والفساد هو أمر مطلوب مع أنه لم يجدِ نفعاً طوال السنوات الماضية! وهذه حقيقة مرّة، لكن لا يجب أن يبقى الحال بلا (ديناميكا) تخرجنا من ذات المنهج والأسلوب والصدام والخلاف والتأجيج والطائفية ودعوات القتل والاحتراب وإشعال العلاقات، ثم يظهر من يتباكى على النسيج الوطني والسلم والوحدة الوطنية.
ولنبق في حدود رأي الشارع البحريني، فالغالبية العظمى من المواطنين أصابهم اليأس، ونقصد هنا يأسهم من أن تتبدل الأحوال إلى الأفضل. والسؤال الأصعب هو: من الذي لديه القدرة على تغيير ذلك اليأس والتحوّل إلى الأفضل مترجماً على أرض الواقع؟
والجواب البديهي: هي السلطة قطعاً! أليست هي من تستطيع فتح وإغلاق باب الرياح كما تريد؟.