سامي النصف

المملكة بين عهود التكوين والتحديث والنهضة!

يمكن للمؤرخين والمراقبين السياسيين أن يقسموا تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث الى ثلاث حقب، الأولى النشأة وتوحيد المملكة والوقوف أمام التحديات والعواصف ويمثلها عهود الملوك عبدالعزيز وسعود وفيصل، ثم تلتها حقبة التحديث والتعليم والزراعة والتصنيع وتوسعة الحرمين ويمثلها عهود الملوك خالد وفهد وعبدالله، والحقبة الثالثة التي نعيشها هي عهد النهضة الشاملة وسطوع مشروع القوة السعودية العسكرية والسياسية والاقتصادية التي بدأت بالملك سلمان بن عبدالعزيز أطال الله في عمره وستستمر مع ولي عهده الأمير محمد بن نايف وولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي طرح رؤية المملكة للعقود القادمة فأبدع وأجزل وأذهل.

***

وجميل أن تكون للقيادات السياسية للدول رؤى، والأجمل أن تكون تلك الرؤى جادة وحقيقية وصائبة وغير إنشائية. وهذا تماما ما استمع إليه العالم من ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في لقائه الشائق مع الزميل تركي الدخيل على قناة العربية، وقد كانت أسئلة الدخيل جادة ومباشرة وغير مجاملة، ومثلها إجابات الأمير الشاب محمد بن سلمان.

***

ومع بداية القرن الماضي حقق الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود رؤاه الصعبة في توحيد المملكة العربية السعودية، حيث انطلق من الكويت في أقصى الشمال الشرقي للجزيرة العربية وانتهى مساره الخيّر في عسير أقصى الجنوب الغربي للجزيرة، وتمكن أبناؤه الميامين الملوك سعود وفيصل وخالد من مواصلة المسار والحفاظ على الأمن واستقرار المملكة وكينونتها أمام تحديات الخمسينيات والستينيات التي أطاحت بالأنظمة الملكية العاقلة واستعصى عليها النيل من صلابة المملكة العربية السعودية.

***

تلا ذلك مع قدوم الملوك خالد وفهد وعبدالله بدء مشروع تحديث المملكة، حيث تم إرسال مئات آلاف الطلبة الى الغرب وإنشاء الجامعات العلمية وتوسعة الحرمين وخلق المزارع والمصانع الضخمة وأصبحت المملكة رقما صعبا بارزا على خارطة العالم حتى تم ضم المملكة الى نادي العشرين دولة العظمى في العالم (G20) كما استطاعت المملكة في نفس العهود دحر الارهاب واجتثاث جذوره الهادفة إلى ضرب استقرار المملكة.

***

مع دخول عهد الملك سلمان استطاعت المملكة وبذكاء شديد سد الفراغ الذي نتج عن انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وتغير تحالفاتها عبر خلق التحالفين العربي والإسلامي وردت على تحدي الانخفاض الكبير في أسعار النفط بطرح المشروع الاقتصادي الأكبر في العالم الذي أعلن عنه الأمير الشاب محمد بن سلمان الهادف الى خلق موارد بديلة للنفط خلال السنوات الأربع المقبلة عبر خلق موارد استثمارية كبرى تستغل الموقع المتميز وكون المملكة قبلة العرب والمسلمين لوجود المقدسات على أرضها واستثمار الاراضي العامة والخاصة وطرح «أرامكو» للاكتتاب وبدء عمليات التصنيع الحربي ودعم الشفافية وترشيد القرار الحكومي عبر قواعد الحوكمة والتركيز على التنمية البشرية وتشجيع السياحة والاستثمار والثقافة والترفيه وإنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم ومنح الكرت الأخضر أو الإقامة الدائمة للمقيمين لمدد طويلة بالمملكة وهي فكرة رائدة يمكن لدول الخليج الأخرى وحتى الدول العربية النظر فيها.

***

آخر محطة:

(1) يمكن للدول الخليجية والعربية الاخرى وخاصة المعتمدة كليا على مداخيل النفط النظر في تلك الرؤية الاستراتيجية وخريطة الطريق المهمة للاقتداء بها، فخير للمملكة ولدول المنطقة أن ينهضوا جميعا بدلا من نهضة المملكة وتخلف غيرها.

(2) نعم ستكون هناك مصاعب وعراقيل داخلية وخارجية أمام تطبيق تلك الرؤية الرائعة، وسيتم التغلب عليها بقوة الارادة، فالذي يخلق الدول العظيمة والقادة العظماء هي الرؤى العظيمة، وقد كانت كوريا وماليزيا وسنغافورة أقل إمكانيات من المملكة ونجحت بالرؤى والجهد في الوصول الى ما وصلت اليه من نجاح.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *