فؤاد الهاشم

إزالة الغم بـ«شم الدم»!

من غرائب وعجائب الرسائل التي تصل إلى الجرائد اليومية – وتحديدا للصفحات الدينية طوال العام وبكثافة أكبر من شهر رمضان – واحدة من مواطن خليجي يروي فيها حادثة من هذا النوع تابعوها معه لحظة بلحظة وهو يقول: «أحبتني وأحببتها لكنها من قبيلة غير قبيلتي، والدتي وشقيقاتي وبقية عائلتي اعتبروها لا تصلح لي، اعترض الجميع لكنني تحديتهم جميعا.. وتزوجتها، مر عام وتلاه ثانٍ ثم ثالث، المقاطعة العائلية لي مستمرة، لا والدتي تريد رؤيتها أو رؤية ولدي منها، وكذلك الشقيقات والعمات، وإن سألمتوني لماذا الإناث في الأسرة هن المعترضات أقول إنها عقلية النساء؛ لأن رجال العائلة وافقوا على زواجي بعد الإنجاب وباركوه!
المهم لم أهتم كثيرا لغضبهن، واستمرت حياتي جميلة ورائعة مع زوجتي وأم ولدي وليغضب من يغضب، فأنا لم أرتكب معصية ولا إثما، فقد تزوجت على سنة الله ورسوله وزوجتي مثال للعفة والطهارة والأسرة المثالية والقبيلة الطيبة، فأين المشكلة.. إذن؟! حتى جاء ذلك اليوم، الذي كانت زوجتي في طريقها مع عدد من زميلاتها المدرسات إلى منازلهن في سيارة واحدة، وعند أحد التقاطعات وقعت الكارثة عندما تجاوز أحد المجانين الإشارة الحمراء – وكان بحالة غير طبيعية – فحدث الاصطدام و.. توفيت أم ولدي وحبيبتي وزوجتي!
كان الوقت شتاء والمطر ينهمر بغزارة وكأن مخزون السحاب الموجود في كل الدنيا قد قرر أن ينزل فوق منطقتنا، لكنه لم يكن أكثر من الدموع التي تفجرت من عيني، ولا بمقدار بخار الألم المحتبس في صدري، خلال 24 ساعة كنت أواريها الثرى مع عائلتي وعائلتها… وانتهى الأمر!
مر أسبوع فخطر ببالي خاطر شيطاني – وهذا ما أود سؤالك عن شرعيته يا شيخ – فقد اشتريت ماسورة من البلاستيك كالتي تستخدم في التمديدات الصحية والكهربائية بطول متر ونصف وعشر زجاجات صغيرة من المسك وذهبت إلى قبر زوجتي، ولأن مياه الأمطار كانت غزيرة فقد تشرب تراب القبر بها وصار من السهل أن أدس تلك الماسورة بسهولة إلى عمق متر واحد فقط ثم أصب نصف زجاجات المسك الصغيرة بداخلها لينزل إلى منتصف عمق القبر والزجاجات الباقية قمت برشها عليه من الخارج حتى فاحت رائحة المسك من القبر.. بكامله!
عدت إلى البيت وأخبرت والدتي الغاضبة من زواجي حتى اللحظة وشقيقاتي وأخبرتهن بأنني كنت في زيارة للمرحومة وشممت رائحة المسك فما كان منهن إلا أن قفزت كل واحدة من مكانها وقررت الذهاب إلى القبر بنفسها!
حدث ذلك وشممن رائحة المسك، فأخذت والدتي تبكي وتطلب من المرحومة أن تسامحها وكذلك فعلت شقيقاتي! كنت أريد أن أشعرهن بالندم على صدهن لها أثناء حياتها ويصححن خطأهن بعد وفاتها وسؤالي يا شيخ هو: هل ما فعلته جائز أم لا؟ هل هو حرام أم.. حلال؟ تقبل الله منا ومنك صالح الأعمال وغفر لي ولك إنه هو السميع العليم»!
انتهت رسالة المواطن الخليجي التي بعث بها لأحد الزملاء المسؤول عن الصفحة الدينية وأعطاني نسخة عنها احتفظت بها منذ سنوات ضمن أوراقي الخاصة!
ما مناسبة ذكر هذه الحكاية.. الآن؟! موجود على «اليوتيوب» حاليا شريط وضعه «الاخوانجية» بعد أحداث «رابعة» في مصر يظهر بقعة دم على الإسفلت أحيطت بالحجارة وأشخاص يأتون ويجثون على ركبهم ويأخذون وضع السجود ثم «يشمون الدم» بينما يقف «اخونجي» نصاب يصرخ في الناس قائلا: «تعالوا.. تعالوا.. قربوا.. قربوا.. شموا دم الشهيد إلى كله مسك»! فتأتي «قطعان» من البشر وتشرب المقلب «وتشم الدم» مثلما شربت المقلب وشممت تراب القبر والدة صاحب السؤال.. وشقيقاته! و.. وكلما استمرت الأدمغة في فراغها، فيستمر «الشم» إلى.. يوم النشور!

***

آخر العمود
أقــــــــول للنفــــــــــس وعاتبتهـا
علـى التصــابــي مائتــــي مــــرة
يا نفس صبرا عن ظلال الهوى
ما كـــــل يـــــوم تسلـــــم الجــــرة

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *