فضيلة الجفال

هل يمكن «فدرلة» أو تقسيم سورية؟

لا شك أن مغامرة بوتين السورية عززت من موقف موسكو، على الأقل مؤقتا. ولكن عندما يتعلق الأمر بمستقبل سورية، فكلمة بوتين “المهمة أنجزت” لن تكون نهائية، تماما كما قال بوش بعد أشهر من بداية الحرب على العراق عام 2003. مر مصطلحا التقسيم والفدرلة أخيرا في سياق المناقشات بين أمريكا وروسيا، حول وقف الأعمال العسكرية في سورية. بين إدارة القضية وبين حلها مفترق طرق. وقد مرت خمسة أعوام في إدارة قضية سورية الشائكة التي بدت أنها لن تنتهي. في كانون الأول (ديسمبر) 2013، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” وثيقة سياسية زعمت أنها جمعت معلوماتها من مختصين في شؤون الشرق الأوسط بتفكيك المنطقة إلى دويلات إثنية وطائفية وعشائرية والتخلص من أو تصحيح حدود «سايكس بيكو» عام 1916، على أساس أن الحدود لن تصمد أكثر من 100 عام. لكن سيناريوهات التقسيم في سورية تصطدم بواقع جغرافي اجتماعي.

جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ حول تقسيم سورية، ثم تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي عن جمهورية فيدرالية مرة أخرى. فهل فكرة تقسيم سورية ممكنة وقابلة للتحقق أم هو تقسيم مواقع القوى، دون التقسيم الجغرافي السياسي، في حال استمرار المعارك في عدة مناطق جغرافية؟ وذلك لأن الكتل العسكرية غير مبنية على وقائع قومية أو عرقية أو طائفية. مناطق النفوذ أمر مختلف عن نشوء كيانات سياسية جديدة. لذا فإن التقسيم العسكري الذي أسست له ظروف الحرب لا يمكن أن يتحول إلى تقسيم سياسي ذلك الذي قد يؤسس لدويلات جديدة.

كما أن الفيدرالية بمعناها المتحقق في الدول الغربية لا تستقيم مع واقع الدولة السورية. دول الغرب الفيدرالية اعتمدت المواطنة كأساس للانتماء للدولة، دون اعتبار للانتماءات الثانوية، وذلك على أساس أن الحداثة السياسية لا تعطي قدرا للانتماءات الثانوية إثنية أو عرقية أو طائفية وغيرها. أما في سورية وبعض البلدان العربية الأخرى فهي لا تعدو عن أن تكون شكلا من أشكال التقسيم الجغرافي الذي فرضته تقسيمات «سايكس بيكو». ففي سورية لا توجد تكتلات طائفية تعيش جنبا إلى جنب في منطقة واحدة “جغرافيا” كي يتم تقسيمها على أساس سياسي. فالمناطق الجغرافية المختلفة تنتشر فيها طوائف وأعراق متعددة، منها العلويون والمرشديون والمسيحيون والسنة والدروز والأكراد والتركمان. كما لا ننسى أن المجتمع السوري مجتمع علماني غير طائفي، ولم تؤثر فيه الأحداث والحرب رغم فداحتها، بخلاف ما حدث في العراق مثلا.

في سورية، الواقع الديموغرافي غير مرتبط بالجغرافيا، الأمر الذي يجعل من فكرة التقسيم مستحيلة. كما أن فكرة التقسيم مرفوضة على مستوى دول الإقليم، وكذلك الأمر بالنسبة للغرب. وقد كان أحد أهم الأسباب التي جعلت واشنطن تقف حجر عثرة ضد محاولات إسقاط النظام دون وجود بدائل هو الخشية من أن انهيار الدولة سيؤدي إلى قيام حرب طائفية قد تنتهي بتقسيم فعلي للبلاد.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

فضيلة الجفال

كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]
twitter: @fadilaaljaffal

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *