عبدالله النيباري

قضية الترشيد وتخفيض مصروفات الدولة… ضحك على الذقون

ما يجري بين الحكومة ومجلس الصوت الواحد، أصبح محل تندر وسخرية مؤلمة في أوساط المجتمع الكويتي، فلا حديث للناس سوى عدم جدية الحكومة وعبثية المجلس، الذي لا يهم أعضاؤه إلا مصالحهم الانتخابية، لا مصلحة البلد وأهله.
وأدق توصيف لهذه الظاهرة كان للأخ جاسم السعدون «الحكومة ترشي النواب، الذين بدورهم يرشون المواطنين، لكسب أصواتهم، لا خدمة لمصالح أبناء الشعب».

نقاشات مخالفة للائحة

النقاشات التي جرت في مجلس الأمة حول معالجة الوضع المالي مخالفة للائحة المجلس الداخلية، التي تنظم عمل المجلس، فالأصل أن تقدم الحكومة مشروعها بقانون إلى المجلس، الذي يحيله الرئيس إلى اللجنة المختصة، وهي في هذه الحالة لجنة الميزانيات والحساب الختامي، أو بالمشاركة بينها ولجنة الشؤون المالية والاقتصادية، ويترأس اجتماعاتهما أكبر الرئيسين سناً، وليس رئيس المجلس، وللجنة أو اللجنتين استدعاء ممثلي الحكومة، والاستعانة بالمستشارين والخبراء، ويتم تقديم تقرير إلى المجلس يبين فيه ماهية مشروع الحكومة مع شرح له، وأي تعديلات مقترحة أو ملاحظات.
ما حدث مخالف لذلك، فالاجتماعات في مكتب المجلس وحضور الحكومة وأعضاء مجلس التخطيط، أو أي اجتماعات موسعة في إحدى اللجان، هي اجتماعات أو جلسات عامة في المجلس، أو لقاءات مع سمو الأمير، هي لقاءات غير رسمية، أو أشبه بديوانية موسعة لا تتفق وأصول العمل البرلماني، كما نصَّت على تنظيمه اللائحة الداخلية.
لذلك، لم ينتج حتى الآن، وقد مضى على الأزمة 21 شهراً، عن الدولة وحكومتها ومجلسها إلا جعجعة من دون ثمر.

كلام لا معنى له

الحكومة والمجلس ملؤوا الدنيا ضجيجاً، بأن ما سمي مشروع الترشيد لن يمس جيب المواطن، وهو كلام لا معنى له، فأي إجراء يمس الميزانية العامة، سواء زيادة الإيرادات، أو تقليل المصروفات، عدا اجتثاث الهدر والتبذير والفساد، لا بد أن يمس المواطن.
وعموم المواطنين لا يرفضون الإصلاح والترشيد، ولا يستنكفون عن تحمل نصيبهم من ذلك، لكن أن يكون تحمل الأعباء وفق المقدرة، أي توزع بعدالة، فتبدأ بشرائح الدخول العالية والثروات الضخمة.

زيادة أسعار البنزين والكهرباء

وحتى الآن، جوهر برنامج الحكومة، كما هو مطروح، برفع أسعار البنزين والكهرباء، لا يمس إلا ذوي الدخول المتوسطة والمتدنية، فحتى زيادة أسعار البنزين والكهرباء المقترحة تمنح دعماً لرجال الأعمال وأصحاب الدخول العالية بنسبة لا تقل عن 50 في المئة، وهذا المقترح لن يعالج العجز في الميزانية، فمحصلة الزيادة المقترحة لرفع أسعار البنزين هي 216 مليون دينار في أحسن الأحوال، ما يساوي 35 في المئة من الدعم المقدر بـ 626 مليون دينار (ميزانية 2015/ 2016).
أما بالنسبة لأسعار الكهرباء، فهي تتراوح بين مقترح الحكومة ومقترح النواب، فاقتراح الحكومة يرفع سعر كيلوات الكهرباء من فلسين إلى متوسط 10 فلوس، واقتراح النواب يرفع متوسط السعر إلى 3.5 فلوس، في حين أن تكلفة الكيلوات تتراوح بين 35 و40 فلساً، اعتماداً على أسعار النفط، أي أن الوفر الممكن تحقيقه بين 8 و25 في المئة، في حين قيمة الدعم تتراوح بين 1600 و2800 مليون دينار، اعتماداً على أسعار النفط، لذا فإن رفع أسعار الكهرباء المقترحة سيخفض الدعم ما بين 400 مليون كحد أدنى، و700 مليون كحد أعلى، ويبقى العجز يتراوح بين 1200 و2100 مليون، وفق ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط، وفي كلتا الحالتين، فإن هذه الاقتراحات تواجه معارضة من النواب.

مقترحات لن تحل مسألة العجز

إذن، مقترحات الحكومة ونوابها لن تحل مسألة العجز في الموازنة بقيمتها الحالية، وإذا أخذ بعين الاعتبار أن الإنفاق العام يتزايد بمعدل بين 5 و7 في المئة سنوياً، أي سترتفع الميزانية في السنوات العشر المقبلة إلى ما بين 33 و40 مليار دينار.
لكن ما هو غائب عن مقترحات الحكومة ونوابها، هو أصول المعالجة الصحيحة، وهي توخي العدالة بفرض الضرائب، التي قد تكون مسألة غير مرغوبة، أو حتى مكروهة، لكن لابد منها، طال الزمن أو قصر، فمهما ارتفعت أسعار النفط، فلن تغطي العجز المتنامي مستقبلاً.
الضرائب في كل أنحاء العالم هي المصدر الأساسي لإيرادات الميزانية، وتتراوح بين 30 في المئة في أميركا مثلاً، وأكثر من 60 في المئة بالدول الاسكندنافية، وكلها دول ذات نظم رأسمالية.
وتقدر قيمة الدخل القومي في الكويت بـ 50 مليار دينار، ويبلغ الدخل غير النفطي 24 ملياراً، وقيمة المدخرات 24 مليار دينار، منها 12 ملياراً للقطاع العام، و12 ملياراً للقطاع الخاص، وأرباح الشركات المدرجة في البورصة 1700 مليون لسنة 2014، وودائع القطاع الخاص لدى البنوك 30 ملياراً.
كل هذه الأرقام تخص قطاع رجال الأعمال، وهو القطاع الأكثر استفادة من مصروفات الدولة، سواء عبر المقاولات، أو مشتريات الحكومة، أو ما ينفقه أصحاب المرتبات في السوق المحلية، كما أن مطالبة تحمل قطاع الأعمال نصيبه من أعباء الإنفاق العام مستحقة.
سابقاً، قبل اكتشاف النفط، فرض رجال الأعمال على أنفسهم ضرائب لتمويل التعليم، بزيادة الضرائب الجمركية، وحالياً تطور وضع الاقتصاد وتضخمت الثروات، وبلغ حجم واردات الكويت 9 مليارات دينار.

المنهج السليم

في المملكة العربية السعودية، تتراوح الضرائب على الواردات بين 10 و20 في المئة، وتطبيق هذه المعادلة في الكويت بضريبة 10 في المئة نحو 800 مليون دينار سنوياً، تتزايد مع تزايد حجم الواردات سنوياً.
هذا هو المنهج السليم لمعالجة العجز، لكن حكومتنا لا تريد المساس بالدخول والثروات المرتفعة، وتتجه إلى جيوب المواطنين.
أما قضية العلاج في الخارج، ومخصصات المرضى ومرافقيهم، فهي مسألة مخجلة ومعيبة، فقبل 2005 كان عدد حالات العلاج في الخارج لا يتعدى ألف حالة، وبعد مجيء أحمد الفهد، ومن بعده أحمد الحمود، انفتح الباب، وارتفعت الأعداد إلى ما بين 7 -11 ألف حالة، وكلفة العلاج في الخارج زادت على 400 مليون، وتصل التقديرات إلى 600 مليون، مع التجديد المتكرر وزيادة عدد المرافقين، وأصبح العلاج في الخارج سياحة مدفوعة الأجر بذريعة العلاج.
المطلوب ليس تخفيض المخصصات من 75 إلى 50 ديناراً، لكن تصحيح عملية الموافقات، بناءً على توصيات اللجان الطبية، وما يحصل حالياً، أن اللجان الفنية ترفض وترفع إلى اللجنة العليا، التي تقوم أو يقوم رئيسها بإدراج أسماء المرضى ومرافقيهم المرسلة من سعادة الوزير.
الاستمرار في نهج الحكومة ومجلسها عبث وضحك على الذقون، «حكومة ترشي النواب لشراء مواقفهم، والنواب يرشون المواطنين لشراء أصواتهم».

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *