فؤاد الهاشم

«الفن يطعم كنافة»!

كثيرا ما نسمع من الفنانين جملة «إن الفن لا يطعم خبزا» لذلك يلجأ العديد من نجوم السينما والمسرح والتلفزيون إلى ممارسة نشاطات تجارية أخرى مثل افتتاح مطاعم أو شراء بنايات وشقق وعقارات أو حتى افتتاح محل «سوبر ماركت» لبيع الأطعمة والمثلجات و«المعكرونيات»! أنا أرى أن كل مهنة في هذه الدنيا تطعم خبزا وجبنا ومربى و«قيمر»، أيضا، حتى بالنسبة للذين امتهنوا مهنة «الشحاذة» أمام المساجد والمقاهي ودور السينما، المهم، كيف يتصرف صاحبها، أقصد صاحب هذه المهنة بمداخيلها بشكل جيد تجعله بعيدا عن تقلبات الزمن وكوارثه.

كانت الفنانة المسرحية، السينمائية، الراحلة فاطمة رشدي سيدة نساء عصرها، وقد تسببت في غضب القصر الملكي، وتحديدا، الملك فؤاد الأول، خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، حين علم بأنها تنتقل بواسطة عربة يجرها ستة أحصنة أكثر فخامة وأغلى ثمنا من التي يستخدمها جلالته. وكان الناس، في الشارع، يعتقدون أن الموكب الذي يمر من أمامهم هو لملك مصر والسودان ليكتشفوا لاحقا إنه لملكة الليل والسهر والفن والغناء.. فاطمة رشدي! كانت هذه الفنانة القديرة سخية وكريمة إلى حد الإسراف والبذخ مع المحيطين بها وجماهير «الغلابا والمساكين» الذين يقصدونها طلبا للمساعدات المالية.
وقيل إنها كانت تنثر الجنيهات الذهبية على الحضور الذين يستقبلونها أمام دار العرض السينمائي حال وصولها لحضور العرض الأول لأحد أفلامها، وبأسعار هذه الأيام، فقد كانت هذه السيدة تلقي على الناس ما يعادل قيمته سيارة مرسيدس من أحدث طراز زائد سعر الجمارك.. أيضا!!.

لو أنها اتسمت بالحصافة الاستثمارية واشترت بتلك المداخيل الهائلة التي حصلت عليها بفعل نجوميتها طيلة أربعين عاما، أو أكثر، من السينما والمسرح أراض وعقارات وأطيان وقصورا في القاهرة، أو خارجها، لما احتاجت لأن تسكن في غرفة صغيرة داخل فندق «بلا نجوم» إيجارها أقل من خمسة جنيهات في اليوم وهي في أواخر أيامها لتشتكي العوز والفقر والفاقة! وبعد أن بثت محطة «ام بي سي» مأساتها، قبل سنوات عديدة، تبرع لها مواطن كويتي، عن طريق المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بقيمة شقة صغيرة بغرفة نوم واحدة فرحت بها كثيرا بعد أن تسلمتها، مع إن قيمتها لا تتجاوز قيمة ثلاثة أحصنة من أحصنتها الأربعة التي كانت تجر عربتها قبل 60 سنة! حتى تلك الشقة الصغيرة لم تهنأ بها، وما إن سكنتها لثلاث ليال فقط حتى انتقلت إلى جوار ربها وهي تردد جملة «الفن لا يطعم.. خبزا» ! فهل هو كذلك؟.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *