محمد الوشيحي

كلما كبرت ازدادت إثارة

هي إحدى هواياتي الغريبة، وإن سميتها “حماقاتي الغريبة” لم أكذب… ساعة وصولي إلى دولة ما، للسياحة طبعاً، أبحث عما يميزها عن غيرها من الدول، من ناحية الخدمات، والبنى التحتية، والحالة الاقتصادية للناس (أرصدها من خلال مظاهرهم الخارجية ومحلاتهم وسياراتهم ومأكولاتهم ووو…)، ومدى شعور الناس بالراحة أو بالغضب (من خلال وجوههم، وتعاملهم مع الآخرين، وتبادل الحديث معهم).
في إسطنبول، أو إسلامبول، أو الآستانة، أو القسطنطينية، سمها كما تشاء… تبادلت مع صديقي التركي الأحاديث. هو حاصل على شهادتي البكالوريوس والماستر من الولايات المتحدة، حيث كان يقيم وأهله، قبل أن يعودوا إلى تركيا ليقطفوا الفرص التجارية التي أثمرت بعد النهضة الأخيرة، أو “بعد أن تولى أردوغان وفريقه مهمة القيادة” كما ذكر حرفياً.
هو فخور بأنه في الوقت الذي تغرق فيه بعض دول أوروبا، كالبرتغال وإسبانيا وإيطاليا واليونان وغيرها، في محيطات الأزمات الاقتصادية، تنهض تركيا بسرعة صاروخية لتحلق في الفضاء.
يقول: عادت الطيور التركية المهاجرة، وعادت معها رؤوس الأموال، واشتعل السباق بين كبريات الشركات، وأضحينا، كرجال أعمال، ننتظر ما سيعلنه أردوغان أو حكومته في مجال البنية التحتية، فنتسابق لشراء الأراضي هناك وإقامة مشاريعنا. وقد أعلن أردوغان قبل فترة نيّةَ حكومته إنشاء مطار ثالث بمساحة ضخمة جداً، ونقل الرحلات الدولية إليه، وبناء جسر ثالث على البوسفور لتخفيف الزحمة بين القارتين (إضافة طبعاً إلى النفق الشهير الذي ملأ النشرات الإخبارية العالمية). وإنشاء طريق سريع جديد ثالث، يربط المدينة بالمطار الجديد… وهو ما يعني قفزة هائلة لإسطنبول وضواحيها.
وعندما سألته بعقل كويتي: وهل تثقون بوعوده ووعود حكومته؟ قال: هو لم يكذب علينا قط، لذا نأخذ تصريحاته على أكبر محامل الجدية، ونحولها إلى دراسات جدوى، وتشرع الشركات في إجراء حساباتها، استناداً إلى تصريحاته وبيانات الحكومة.
حاولت أن أخفي ابتسامتي، لكنه اصطادها وسألني عن سببها، فأجبته: “نحن نستمع إلى بيانات الحكومة كما يستمع المواطن في أي دولة كانت إلى نكتة، فنضحك بحسب حجم المشروع. إن أعلنت حكومتنا نيتها بناء مرفق، تضاحكنا أو اكتفينا بابتسامة، وإن أعلنت بناء طريق سريع (حتى وإن كان بأسعار خيالية ومدة ممطوطة ممدودة) قهقهنا بصوت عال، بينما نغيب عن الوعي لشدة الضحك إن هي أعلنت بناءَ مترو أو قطار (حدثته عن مشروع مدينة الصبية الذي انتهى عام ١٩٨٧ كما تذكر الأوراق، لكنه لم يظهر إلى العلن خوفاً من العين والحسد! فتبسم بشفقة).
المعلومة الصادمة لي هي مجانية التعليم والطبابة في تركيا لبسطاء الدخل، وأنا الذي كنت أظن أن هذا أمر مقصور على دول النفط. بل إنه امتدح مستوى الخدمات المجانية، وإن لم يساوها بالخدمات الخاصة. بالتأكيد.
على أن اللافت كان ضحكته العالية وهو يخبرني أنه أدلى بصوته لأردوغان في الانتخابات الأخيرة، مختتماً ضحكته بكلمة تدل على أهمية الموضوع: تخيل! تخيل أنني وصلت إلى اللحظة التي أمنح فيها صوتي لتيار ديني سياسي (هو من الدعاة المقاتلين للانفتاح)، يقول صاحبي ويكمل، لم أمنح أحداً صوتي في الانتخابات السابقة، لكن هذا الرجل أخجلنا، وشعرنا أنه يستحق الدعم والتشجيع.
ويضيف: يجب أن تعلم أن بعض المسيحيين، وإن كانوا قلة، منحوه أصواتهم بعد أن شاهدوا مستوى إدارته وقيادته، وبعد أن أدركوا أن الرجل يحمل تركيا على كتفيه ويجري بها بأقصى سرعة. وها هي تركيا تتألق بهاء وجمالاً وإثارة كلما كبرت في العمر.
تبسمت في وجه صديقي، وهززت رأسي دليل التصديق، وأغمضت عيني حزناً على بلدي.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *