طارق العلوي

ما الذي تخفونه؟

في لقاء مع مجلة «بزنس انسايدر»، كشف ضابط تحقيقات أمريكي عن مؤشرات تُستخدم لمعرفة ان كان المتصل على رقم الطوارئ (911) مشتبها به ويحاول التغطية على آثار جريمته أم لا.فكان من المؤشرات التي عددها الضابط:
– ان تكون ردة فعل المتصل ونبرة صوته لا تتناسب مع الحدث الذي يتصل من أجله.
– اذا ما سئل عن مشاركته بالجريمة، لا يجيب الأسئلة بـ«نعم» أو «لا»، بل يستخدم اجابة مطولة مثل: «وصلاة أمي وابوي.. ودفنة عيالي.. وراسك الغالي، مالي أي علاقة بالجريمة لا من قريب ولا من بعيد».
– الاتصال المبكر بطريقة «يزهب الدوا قبل الفلعة»، كأن يتصل زوج ويبلغ عن فقدان زوجته التي خرجت من البيت.. قبل ساعتين!
– اعطاء الكثير من التفاصيل الجانبية عن نفسه لابعاد الشبهة مثل: «أنا وزوجتي نحب بعضنا منذ أكثر من 30 سنة، ولم تحصل بيننا مشاكل الا ما ندر».
– الكذب في تفاصيل صغيرة، يظن المشتبه أنه بهذه التفاصيل يحبك القصة.
ونحن بدورنا كمواطنين، لا نملك سوى ان نستعرض الأحداث التي جرت على الساحة المحلية، ونستخدم ذكاءنا في الربط بينها للتوصل الى نتيجة معينة.
فقد بدأت عجلة الأحداث مع قضية رفعها رئيس مجلس الأمة السابق، جاسم الخرافي، على مغردين، بتهمة القذف.الى ذلك والأمر طبيعي.. لكن، وبدون سابق انذار، أقحم الخرافي اسم الشيخ أحمد الفهد، كشاهد في القضية، وحرص على وصفه في صحيفة الدعوى بـ«رئيس جهاز الأمن الوطني السابق»!
وتم القبض على المغرد المشتبه به، وكان الموضوع ليعدي على خير، لولا مبالغة الرئيس مرزوق الغانم في تشويه سمعة المغرد المقبوض عليه، بتصريح ناري: «طلع يملك صحيفة سوابق بحيث لم تبق سرقة.. ولم تبق مخدرات.. ولم يبق هتك عرض.. ولم تبق جريمة لم يرتكبها»!.. ولم يردع الغانم عن تصريحه كون «المتهم برئ حتى تثبت ادانته»، أو ان الموضوع معروض أمام النيابة وأن من الحصافة «عدم الخوض» به.
وتم استدعاء الفهد للشهادة، فنفى علاقته بالقضية المنظورة والمغردين أو التسجيلات الصوتية المزعومة، لكنه كشف عن معلومات جديدة وخطيرة حول موضوع آخر.. «مقاطع» تمس نظام الحكم وحرمة الأموال العامة ومخالفات تطول رؤوسا كبيرة.وعندما سُئل في النيابة، وهنا مربط الفرس: «هل يظهر سمو الشيخ ناصر المحمد وجاسم الخرافي في المقاطع؟»، أجاب الفهد: «نعم».
توقعنا بعدها ان يقلب الخرافي، وابن أخته الغانم، الدنيا عاليها سافلها، وأن يغرقا الفهد بالقضايا لأن الأمر فيه مساس بسمعة المحمد والخرافي، أقل ما يقال فيه ان تصريح الفهد أدخلهما في ضباب الشبهات السياسية!
لكن، وياللمفاجأة.. لم يتجرأ أحد على رفع قضية ضد الفهد، ربما لعدم الرغبة في ان يفصح الفهد أكثر عما لديه من معلومات!
في هذه الأثناء ظهرت «مناشدة» للمواطنين من قبل الديوان الأميري بعدم الخوض في هذا الموضوع وترك الأمر للنيابة!
طبعا جاسم الخرافي خاض في الموضوع، وأكد في بيان أصدره أنه «مستمر في متابعة موضوع الشكوى التي تقدم بها ضد من أساءوا اليه»، ويقصد بذلك المغردين، دون ان يشمل الفهد بأي قضية أو اتهام جديد.ودعا الخرافي، في ختام بيانه، الجميع الى الالتزام بمناشدة الديوان، وعدم الخوض بالقضية من بعده.
ثم صدر قرار النائب العام «بمنع نشر أي أخبار أو بيانات عن قضية الخرافي بكافة وسائل الاعلام المقروء والمرئي والمسموع وبرامج الشبكات الالكترونية». وهذا شأن خاص بالنيابة، لكن بما ان الفهد قد نفى علاقته بالمغردين أو أي شريط صوتي بحوزتهم، فان قرار النيابة لا يشمل أي معلومات خطيرة أخرى قد تصل الى يد الفهد، بخلاف «التسجيل الصوتي» المزعوم.
ولذلك كان مستغربا «استذباح» وزير الاعلام سلمان الحمود في سرعة المباشرة باجراءات اغلاق صحيفتي «الوطن» و«عالم اليوم» بناء على معلومات منشورة تخص «مقاطع» يملكها الفهد، ولا علاقة لها بالمغردين أو بقضية الخرافي، لا من قريب ولا من بعيد، ولا تمس أيا من مجريات التحقيق الجارية!
ولم يجد الحمود غضاضة بالتعسف، وبشكل علني، في استخدام القانون ضد صحف معينة، والتساهل الى حد «يا دهينة لا تنكتين» مع صحف أخرى تناولت نفس الموضوع!
بعدها جاء اجتماع الرئيس مرزوق الغانم «السري» بمجموعة من النواب، وخرج من الاجتماع بتصريحه الشهير: «جلسة الغد ستشهد وضع الكثير من النقاط على الحروف»! وجاءت جلسة الغد، ونفذ فيها سمو الشيخ جابر المبارك الدور المطلوب منه، وطلب تحويل الجلسة الى «سرية»، فعرض مقاطع «مختارة» على النواب.وخرج بعدها خبراء الصوتيات والدبلجة من النواب، ليدلو برأيهم الفني بالموضوع، فكان الغانم فاتحة الخير، حيث استهل بيانه بأنه «تم عرض تسجيل مرئي، الصورة فيه غير واضحة ومبهمة، ومن دون وجود أصوات واضحة يمكن سماعها أو فهمها».يعني لا صوت واضح ولا صورة.. ولا ندري ماذا كان يشاهد النواب اذن؟!
ويكمل الغانم: «أن رئيس مجلس الوزراء استعرض أيضاً تقارير جهات خارجية متخصصة تفيد التأكيد، دون أدنى شك، على ان «جميع» التسجيلات الصوتية وأشرطة الفيديو التي فحصت قد تم العبث بها».
ثم أصدر دولة الرئيس مرزوق الغانم حكمه النهائي غير القابل للاستئناف بأن «الهدف من وراء تلفيق هذه التسجيلات هو.. تضليل المستمع»!.. والحمدلله ان الغانم لم يحلف ولم يقل «وراسكم ما أحجى الا الصحيح».
ثم أعلن الغانم بأنه أحاط النائب العام علما بما حصل، وطلب باحالة التسجيل للنيابة حتى لا يتداوله آخرون من بعده.
واستمر مرزوق الغانم في الأيام التالية يخوض «خوضة» في الشريط، وتسرب تسجيل له يتحدث عن «بانكرز» فرنسيين مع سمو الشيخ ناصر المحمد، ولا ندري كيف عرف أنه ناصر المحمد اذا كانت الصورة غير واضحة! وخلال حواره يؤكد الغانم مرة أخرى بعدم وضوح التسجيل، وللتدليل على ذلك، يقوم الغانم بتقليد بعض الحوار الفرنسي فيقول: «دُه بغلِ فواااوه».. أو ما شابه.
في هذه الأثناء، تنشر احدى الصحف افتتاحية نارية، وكأنها «تزهب الدوا قبل الفلعة»، جاء فيها: «ففي معلومات مؤكدة ان هؤلاء يستخدمون الاوراق المسروقة من البنوك لتزوير، عبر برنامج «فوتوشوب»، مستندات عن حوالات مالية يزعمون انها اودعت في حسابات بعض خيرة القضاة لدى بنوك اجنبية خارج الكويت، وأنها كانت «ثمنا للحكم بدستورية مراسيم الضرورة التي صدرت اثناء الفترة الفاصلة بين ابطال مجلس الامة واجراء الانتخابات النيابية».
والغريب ان وزير الاعلام «الشجاع» لم يجرؤ على تحويل هذه الافتتاحية للنائب العام، على ما فيها من معلومات خطيرة ومساس مباشر بالقضاء! هذا سرد تاريخي للأحداث المتلاحقة في الفترة القصيرة الماضية، ونترك لذكاء القارئ التوصل.. للاستنتاج المناسب.
٭٭٭
سمردحة: أول مرة نشوف رئيس وزراء متهم بتدليس الحقيقة، وفوقها يتم انذاره.. وما يرد!
.. يا ترى ليش؟

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *