احمد الصراف

التعقيب الفاشل!

قامت جهة ما بالتعقيب على ما سبق ان كتبنا عن عدم مشروعية وضع «بيت الكويت للأعمال الوطنية» وورد في التعقيب أن «بيت الكويت» هو الصرح الوحيد الذي وثق لمرحلة الغزو الغاشم! وهذا غير صحيح، فمحاولات الآخرين اصطدمت برفض حكومي للترخيص لها فتخلّت عن الفكرة، وسار بها من لم يهتم بالقانون وبالحصول على ترخيص، ليأتي بعدها ويفتخر بأنه الوحيد في الساحة.
وقد ساءنا ما ورد في التعقيب من إقحام لعائلة العميري الكريمة في موضوع يخص شخصا محددا، من أجل خلق بلبلة وفتنة، علما بأننا سبق ان كتبنا مقالا قبل فترة قصيرة عن جهود هذه العائلة في حفظ التراث الموسيقي القديم وأغاني البحر، ولنا بينهم أحبة، وبالتالي نعتذر ان كان عنوان مقالنا السابق قد أساء اليهم بغير قصد.
كما ورد في التعقيب أن «بيت الكويت» أسسه يوسف العميري ومجموعة من أبناء الكويت! وهذا غير صحيح، ويخالف حتى ما ورد في مقابلة يوسف العميري مع جريدة عالم اليوم، عندما ذكر انه المؤسس، كما ان زيارة شخصيات محلية وعالمية البيت لا تعطيه الترخيص المطلوب، فمع كامل احترامنا لهؤلاء ومكانتهم، لكنه لم يذكر أسماء أي من وزراء الإعلام أو الشؤون أو أمناء المجلس الوطني للثقافة والفنون بينهم، وهم المعنيون أكثر من غيرهم بــ «البيت».
وورد في التعقيب – كذلك – ان مجلس الوزراء أصدر القرار 988 في 2001/11/4 وضع فيه «متحف» بيت الكويت للأعمال الوطنية تحت اشراف المجلس الوطني للثقافة والفنون! ولكن القرار لم يطبق، لأنه سيحول مشروعا مربحا لمتحف تابع لجهة حكومية عليها رقابة مالية. كما ان قرار مجلس الوزراء مبهم ولا يعني الاعتراف القانوني بالبيت، والغريب أن السيد العميري نفسه ذكر بكل صراحة في مقابلته مع «عالم اليوم» بأن «البيت يعاني من عدم الاعتراف به»! فكيف يأتي التعقيب لينفي ما ذكره العميري نفسه وليس فقط نحن؟!
كما ورد في التعقيب ان البيت أصبح «صرحا» قانونيا في 2001/11/4، فاضافة الى عدم دقة ذلك، لكن المعروف انه أسس في عام 1997، أي قبل 4 سنوات من قرار مجلس الوزراء، فأين ذهبت التبرعات النقدية والعينية الطائلة، التي تم تجميعها في الفترة من تاريخ التأسيس غير القانوني وحتى إلحاقه الصوري بالمجلس الوطني؟ علما بأن السيد العميري قام عند التأسيس بإرسال رسائل لجميع الشركات المساهمة والكبيرة الأخرى والأفراد والمؤسسات، طالبا منهم المساهمة في مشروع «بيت الكويت للأعمال الوطنية» وضمن رسائله فقرة تطلب إصدار شيكات التبرع باسم «عاصفة الصحراء»، وهو اسم تم اختياره بعناية فائقة، ويعود الى مؤسسة فردية تابعة ليوسف العميري، فهو كان على علم بأن اصدار الشيكات باسم «بيت الكويت للأعمال الوطنية» غير المرخص وغير القانوني، سيمنع حتما صرفها!
وهنا لا نطلب من السيد العميري شيئا غير ان يعلمنا بالكيفية التي تصرف فيها بالتبرعات، والتي ورد ذكر الكثير عنها في تحقيق «السياسة» في 2003/1/5، والرد على ما جاء في ذلك التحقيق الصحفي، وإعلامنا بالمبالغ التي قام بالحصول عليها، والتي أودعت بحساب «مؤسسة عاصفة الصحراء» لدى بنك برقان، ومستندات الصرف، وطريقة حفظ السجلات المحاسبية واسم مدققي حسابات البيت والمؤسسة وتأكيدهم الكتابي بسلامة سجلاتهم المحاسبية، وان تم ذلك فاننا على استعداد ليس – فقط – للاعتذار له علنا، بل والتبرع بمبلغ عشرة آلاف دينار دعما متواضعا لجهود «فرقة العميري الشعبية» في حفظ تراثنا الغنائي والموسيقي.
وأخيرا، لقد كتبنا أكثر من 10 مقالات عن فضائح بيت الكويت للأعمال الوطنية في الفترة من 2003/3/2 وحتى الأمس القريب، كما نشرت جريدة السياسة في 2003/1/5 تحقيقا على صفحتين كاملتين، تعلّق بالمخالفات المالية والإدارية التي وقعت في البيت، فلماذا سكت السيد يوسف العميري كل هذه السنوات ولم يرد، علما بأن مقالنا الأخير لم نورد فيه أي جديد؟!

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

إن عدتم… عدنا

أخيراً، وإن شاء الله دائما، نزع المنبر الديمقراطي والتحالف الوطني رداء الخلاف غير المبرر المبني على “هذا قال… وهذا ما سلّم… وهذا انتقد… وهذا ما حشد لي… وهذا اشتغل ضدي… إلخ”. نزعوا هذا الخلاف ووحدوا صفوفهم لخدمة هذا الوطن.
وتمخضت باكورة عودتهم عن بيان جريء صريح قوي تجردوا فيه من كل العواطف ليعلنوا صراحة نحن ضد سمو الرئيس شرط أن تكون القضية عادلة، أما غير ذلك فلن ننجرف وراءه مهما كانت الغايات والأسباب.
هذا الموقف السليم والمنطقي جدا برأيي يعجز الكثيرون عن اتخاذه، فالغاية تبرر الوسيلة بالنسبة إلى معظمهم بدءا من التيارات الدينية مرورا بمولاة الحكومة وانتهاء عند ما يسمى بالتيارات الشعبية، فلا دستور ولا منطق ولا وعقل يحكمهم في سبيل الوصول إلى غاياتهم؛ على عكس الموقف الرائع لـ”المنبر- التحالف”.
لقد تاه الكثير من مناصري الدستور بحذافيره بسبب تراجع، بل تقهقر التيارات المدنية التقليدية، فباتوا يقفون خلف كل من يتفوه بلفظة دستور، وإن كانوا يعلمون بقرارة أنفسهم أن الكثير ممن يرددون مصطلحات نصرة الدستور ليسوا سوى متمصلحين منه، أما الجزء الآخر من مناصري الدستور الحقيقيين، فقد فضل البقاء في الظل دون حراك لعدم اقتناعه بما يدور واختفاء التيارات المدنية التقليدية عن الساحة.
اليوم أشعلت شعلة العودة من جديد لتنير طريق التيار السليم المبني على الموضوعية والمنطقية والمدنية والدستور أولا وأخيرا، والفضل في ذلك يعود إلى قيادات المنبر والتحالف الذين عادوا بعد غياب، وأنا على يقين من أنهم سيستمرون هذه المرة، لأني أعرف معظمهم جيدا، وأعلم أن ما يحركهم هو الحرص والخوف على هذا الوطن الذي وقع في الحفرة للأسف بأفعال مقيتة تفنن البعض في خلقها؛ في فترة اختفاء التيار المدني التقليدي.
اليوم أعوّل كثيرا بأن صوت رفض وأد البلد لن يكون فرديا اجتهاديا من كاتب أو ناشط أو نائب، بل سيعود كعمل مؤسسي سليم قوامه المنطق والعقل والدستور، ولن يخيب ظني إن شاء الله، وأنا على يقين بأن عودة المنبر والتحالف من جديد ستعيد كل من تاه، رغم حملات التشويه المستمرة، إلى ديار العمل الدستوري السليم.

خارج نطاق التغطية:
حرية التعبير غير محددة بجنسية في الكويت، وطالما التزم كل من يعيش على هذه الأرض بالقوانين والأنظمة فإنه لا يجوز إطلاقا منعه من حريته في التعبير، أقول هذا الكلام على خلفية منع مجاميع من غير محددي الجنسية من الاعتصام في ساحة الإرادة، وهي الساحة التي حددتها الداخلية بنفسها للتظاهر والاعتصام، بغض النظر سواء كنا نتفق أو نختلف معهم، ولكن وأد الحرية مرفوض على كائن من كان طالما لم يخرقوا القانون ويتجاوزوه، فالحرية لا تتجزأ ولا هوية لها.

احمد الصراف

لا ثمن للحب

تزايد عدد الجراء عند مزارع فقرر بيع البعض منها، ومن أجل ذلك قرر وضع لوحة إعلان بيع على سور مزرعته، وعندما كان يدق آخر مسمار فيها شعر بيد تسحب طرف معطفه، فنظر إلى الأسفل فرأى طفلا يقول له: يا سيدي، أريد شراء أحد كلابك. فقال له المزارع، وهو يمسح العرق عن جبينه: إن هذه الجراء ذات أصل طيب، وقد تكلفت الكثير في تربيتها! فطأطأ الصبي برأسه، والحزن باد عليه، ثم وضع يده في جيبه وأخرجها وبها بضع قطع نقدية، وقال: إن لدي 39 سنتا، فهل يكفي ذلك لكي ألعب قليلا معها؟ فقال المزارع بالتأكيد، وهنا أصدر صفيرا من فمه ونادى على كلب منها، فخرج كلب كبير تتبعه أربعة جراء صغيرة، فألصق الصبي وجهه على السياج الحديدي والفرحة تغطي محياه وانتبه، والكلاب تقترب منه، أن في القفص جرواً آخر يحاول بصعوبة الخروج، ولاحظ أنه يعاني من صعوبة في المشي نتيجة تشوّه واضح في احدى قدميه، ولكنه، وبجهد واضح، تمكّن من اللحاق بالبقية، وعندما اقترب من السور تبين واضحا صغر حجمه مقارنة بالبقية، وهنا قال الطفل للمزارع، وهو يشير إلى ذلك الجرو ذي القدم المعيبة: أريد شراء ذلك الجرو، فكم ثمنه؟ فانحنى المزارع نحو الطفل، وقال له: يا بني، لا أعتقد أنك جاد في رغبتك في شراء ذلك الجرو، فهو عاجز عن الجري واللعب معك، كالجراء الأخرى!
وهنا ابتعد الطفل عن السور، وشرع في رفع البنطال عن قدمه اليمنى وكشف عن رجل مصنوعة من قضيب من الحديد مرتبطة بطريقة خاصة بحذاء من الجلد، وقال: انظر يا سيدي، أنا أيضا لا أستطيع الجري بطريقة جيدة، فهذا الجرو بحاجة لمن هو في مثل حالتي ليتفهمه! وهنا قام المزارع، والدموع تملأ مقلتيه، برفع ذلك الجرو الصغير عن الأرض وأعطاه، عبر السور بكل عناية، للصبي الصغير الذي سأله باستغراب، كم ثمنه: فقال المزارع: إنه لك مجانا، فليس للحب ثمن!
إن العالم مليء بمن يريد أن يتفهمه الآخرون بطريقة أفضل.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

ليدز آند جنتلمن

حفظ الله فضائيات أميركا وأوروبا وصحفهما، وحمى الله «رويترز» وأخواتها وكالات الأنباء الغربية من كل مكروه، وجزى وسائل إعلام الغرب عن العربان كل خير، وسقى المنظمات العالمية ومجلس الأمن ماءً زلالاً طيباً مباركاً فيه… ليش؟ لأنه لولا الخوف من أن تفضحهم هذه المؤسسات لتعامل حكام العربان مع شعوبهم كما تتعامل أمهاتنا مع الهريس.
فالمواطن العربي في عين الحاكم أقل من سعر التكلفة، أقصد تكلفة رصاصة، والحاكم العربي ينظر إلى شعبه كالزوجة الأولى الدميمة، بشحومها المكتظة، ومنظرها الذي يجلب الخضة، وحضنها الذي يصيب الصدر بالرضة، في حين يرى الأميركان والأوروبيين كزوجته الجديدة الغضة، ذات الأصابع البضة، والأسنان الفضة، والشفاه التي تستحق العضة… لذا يتعامل مع زوجته الأولى بالكف على الوجه كلما نطقت، ويترك ثلاجتها خالية إلا من الخبز اليابس الذي يضمن بقاءها على قيد الحزن، ويتعامل مع الثانية بالتودد والتمحلس المبين، ويتحول أمامها إلى مارد الإبريق الأمين.
ويتساءل البسطاء والسذج أثناء ثورتي تونس ومصر وبعدهما: «لماذا لا يلقي الرؤساء خطاباتهم إلا بعد منتصف الليل؟»، هم لا يعرفون أن الرؤساء في خطاباتهم إنما يتحدثون إلى وسائل إعلام الغرب وحكام الغرب ومنظمات الغرب ولكن بصورة غير مباشرة، «قال يعني بدون قصد، هم الذين تجسسوا عليه واستمعوا إليه»، بل لولا اللغة والخشية من انكشاف الخطة بصورة فجة لبدأ حكامنا خطاباتهم بـ «ليدز آند جنتلمن».
حتى في اللقاءات التلفزيونية والمؤتمرات الصحافية، لا «ينجّس» زعماؤنا أيديهم بلقاءات مع قنواتنا الفضائية ولا صحفنا، لكن ما إن تطأ أقدامهم المباركة أرض «القِبلة السياسية» أميركا، حتى يستسلموا لأسئلة الصحافيين ومقدمي البرامج وهم يفشخون «شدوقهم» بضحكة تتضاءل معها ضحكة المطربة أحلام، ويجيبون عنها بكلمات تسيل الدمع من المدمع، «كلمات فازلينية»، من النوع الذي يردده السفراء العربان: «العلاقات متينة ومتجذرة، والشعبان الشقيقان تربطهما روابط عدة، والأمور مستقرة» وما شابه من الكلمات المنومة، ينطقونها بدلع وغنج، وما إن ينهي أحدهم خطابه وتنطفئ الأضواء حتى تتحرك دباباته وقواته الخاصة لدهس شعبه.
وهذا هو السبب الذي جعل شعوب الأرض تحترم نفسها، وشعوب العربان تتسابق للفوز بشرف إلقاء القصائد بين أيادي حكامها. بل إننا تفوقنا على غيرنا من العربان وأسميناهم حكامنا «المعازيب»، أي أننا خدم بينما هم سادتنا، لهم الحق في تصفيتنا والتصرف بأموالنا ونفطنا ومداخيلنا كما في العصر الأموي والعباسي: «يا غلام اقطع رقبة هذا، وأعط ذاك ألف ألف قنطار من الحنطة»… «سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين».
فيا أيها السيدات والسادة، يا أيها الليدز والجنتلمن، علي النعمة لولا خوف حكامنا من وسائل إعلام الغرب لكان وكان، فردوا الجميل وحجوا إلى بيت الله الحرام حجة عن رويترز والأسوشييتدبرس وسي أن أن وبي بي سي ووكالة الأنباء الفرنسية ومثيلاتها، واعتمروا من أجل منظمات حقوق الإنسان الغربية، وادعوا لها في ظهر الغيب… ولا أظنكم ستوفونها حقها، حتى لو حملتموها على ظهوركم.
وتعالوا ندشن حملة «شكراً… ويست ميديا» باسم الشعوب العربية، نقولها لـ: «رويترز، أسوشييتدس برس، سي أن أن، سكاي نيوز، وكالة الأنباء الفرنسية، بي بي سي، وغيرها»، ولنبدأها برويترز.

حسن العيسى

ديمقراطية العوران واستقلال القضاء

سألت النائبة معصومة المبارك وزير العدل عن أسماء ودرجات القضاة الذين تم تقديم شكوى تأديب بحقهم في السنوات الثلاث الماضية، واللجان والانتدابات والمناصب التي أسندت إليهم وشغلها كل منهم، وإجراءات التحقيق ونتائجه والعقوبات المتخذة… إلخ.
حسن النية مفترض في النائبة معصومة حين وجهت مثل ذلك السؤال اللادستوري، وقد يكون لديها خبر صادق أو ربما وشاية بأن بعض القضاة والمستشارين قدمت ضدهم شكاوى تأديب، ومع ذلك تم تعيينهم في لجان أو انتدابات أو غير ذلك، وليس هذا بالغريب والشاذ في عالم المحسوبيات الكويتي، ولا يستبعد مثل تلك الأمور في كل شؤون دولة ترسم السلطة الحاكمة على جفونها حكمتنا الأثيرة: «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر» وليس هذا بيت القصيد الآن.
النائبة معصومة تقدمت بهذا السؤال، الذي يشكل اعتداء واضحاً على مبدأ الفصل بين السلطات، كما جاء في المادة الخمسين من دستور الدولة، وأيضاً يعد افتئاتاً جلياً على الفصل الخامس من الدستور المتعلق بأحكام السلطة القضائية وتأكيد استقلالها، إلا أن تجميل عبارات الدستور بعبارات مختلسة من دساتير حية نصاً وروحاً مسألة، وواقع الممارسة السياسية الكويتية مسألة أخرى، فتلك الممارسة تفرض علينا الإقرار بأن النظريات الحالمة في نصوص الدستور لها واقع بشع هو نتيجة حتمية لرفض السلطة الحاكمة إعمال مبدأ الفصل بين السلطات، سواء كان هذا الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية (الحاكمة بالأمر الواقع) أو بين السلطتين السابقتين والسلطة القضائية، فالنائبة استندت في سؤالها أساساً إلى نص المادة 35 من قانون تنظيم القضاء التي خولت وزير العدل سلطة الإشراف على أعمال القضاء، ومفهوم الإشراف هنا يتعدى النطاق «الإداري أو المالي» ليمس في الصميم حرية واستقلال القضاء الكويتي، فما مناسبة هذه المادة…؟! ولماذا صمت ويصمت عنها نواب الأمة كل السنوات الماضية حتى اليوم و(ربما) حتى الغد.
قبل عامين تقريباً جرت محاولات جدية من قبل بعض رجال القضاء، حين وجدوا أنفسهم في حالات كثيرة لا تقتصر على المادة ٣٥ اللادستورية (برأيي) من قانون تنظيم القضاء بلا حول ولا قوة في قضية الاستقلال الحقيقي للقضاء، الذي يجب أن يتمثل في استقلال مالي وإداري كاملين، دون وصاية السلطة الحاكمة والواهبة، وقدم هؤلاء القضاة عدة أمثلة عن الواقع المزري لإدارة شؤون العدل في الدولة وحالة اللامبالاة التي تقابل بها من قبل السلطة الحاكمة، وأبسطها اللامبالاة للحالة المضحكة والمبكية لمباني العدالة، كأن يكون قصر العدل في العاصمة «علبة سردين» أوقات الدوام أو وضع المجمعات «الشعبية» لمحاكم الرقعي!
وأرفق هؤلاء القضاة المجتهدون رؤية تقدمية بقانون مخاصمة القضاء، مع طرحهم لنيل الاستقلال القضائي الحقيقي. مشروع مخاصمة القضاء كما نجد صورته الفذة في التشريعات المصرية يبيح مخاصمة القاضي (باختصار) في حالات الغش أو الخطأ الجسيم، ويعد بهذا دعامة قوية لحقوق الأفراد وحرياتهم، وكانت هناك تصورات مكملة تفعل نصوص التفتيش القضائي، إلا أن كل هذا ذهب أدراج الرياح أو تم تناسيه مع سبق الإصرار المتخلف، أو ربما تم طيه في أدراج اللااكتراث السياسي من قبل السلطتين التشريعية (التابعة) والتنفيذية الحاكمة (المتبوعة)، وانتهى حلم قانون استقلال القضاء بعبارة قوية وقاسية وصلت آذان أهل الشأن تقول: «ماذا يريد هؤلاء القضاة، لهم أن يطالبوا بما يشاؤون في زيادة الرواتب أو غير ذلك من مزايا مالية… أما أحلامهم (وأحلامنا قبلهم) في غير ذلك فانسوها تماماً…!!».
وانتصرت القوة السياسية على القانون في صراع أبدي ندرك نتائجه مسبقاً في دولتنا وغيرها من الدول التي هي على شاكلتنا الهزيلة من دول بقايا الاستبداد «القروسطي» أي أمم تاريخ قبل التنوير في أوروبا وقبل هوبز الإنكليزي ومونتسيكو الفرنسي، وبقينا هنا يراوح نوابنا في مكانهم مرددين عبارات مملة لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل «نفخر بقضائنا الشامخ، والعادل»! فماذا فعلتم لهذا القضاء، ألا يكفيه هذا السؤال «الفذ» لحضرة النائبة معصومة، فلنهلل لديمقراطية «العوران» القاصرة على صناديق الانتخابات، وحين تكحل تلك الصناديق بجملة «من دفع وصل»!

احمد الصراف

المؤلف المجهول

كانت هناك جزيرة تقطنها مختلف المشاعر من حب وحزن وبغض وحسد وزهو وغيرها، وفي يوم علم الجميع ان الجزيرة ستغرق في المحيط لا محالة، وان عليهم مغادرتها للأبد، فانشغل الجميع بتجهيز قوارب الرحيل، إلا الحب، فقد قرر البقاء، قائلا بانه سيبقى لآخر لحظة ليطمئن بان الكل قد رحل في أمان، وعندما أصبحت الجزيرة على وشك الاختفاء تماماً تحت الماء قرر الحب تركها، وهنا بحث عمن يمد له يد العون، وصادف لحظتها مرور «الغنى» في قارب فخم وكبير فسأله ان كان بامكانه مساعدته وانقاذه من موت محقق، فقال الغنى: آسف، فقاربي يمتلئ بالذهب والفضة ولا مكان لدي لشيء آخر! وهنا قرر الحب طلب العون من الخيلاء، الذي كان يبحر في قارب جميل، فقال هذا: معذرة، فأنت تبدو في حالة يرثى لها، ولا أريد لقاربي الجميل ان يتسخ! وشاهد الحب قارب التعاسة يمر أمامه فطلب مساعدتها، فقالت: آه، لا أستطيع، ان كل ما أريده هو ان أترك لحالي، فيكفيني ما فيني! وهنا ظهر مركب السعادة فصاح الحب: أيتها السعادة، أرجوك خذيني معك، لكن السعادة كانت مبتهجة لدرجة لم تسمع فيها نداء الحب، وهنا شعر الحب باليأس وأغرقت الدموع عينيه، وفجأة سمع من يناديه: تعال أيها لحب أنا الذي سآخذك معي! ومن فرط شعور الحب بالفرح لنجاته من موت محقق نسي سؤال من تقدم لمساعدته عمن يكون، وهنا بحث عن «المعرفة» لسؤالها عن ذلك الذي انقذ حياته، فقالت له المعرفة: انه كان «الوقت»! فقال الحب ولكن لماذا تبرع «الوقت» بانقاذي عندما تقاعس الآخرون عن ذلك؟ فقالت المعرفة، وابتسامة حكيمة ترتسم على شفتيها: ليس بامكان أحد غير «الوقت» تقدير قيمة الحب الحقيقي، فكلنا مع الوقت نعرف قيمة الحب، والسعيد من يعرف ذلك قبل غيره!
***
(المؤلف غير معروف)

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

أمنيات لم تتحقق

تقول عمشة بنت مطلق، التي تعمل ممرضة في المستشفى الأميري، إنها دونت أمنيات بعض كبار السن الذين قامت بالإشراف على علاجهم أثناء تواجدهم في المستشفى، والذين تحسروا على انقضاء سنين العمر من دون تحقيقها، ومنها:
الأول.. تمنى لو انه استغل شبابه في عمل الخير ومساعدة المحتاجين والتطوع في الأعمال الخيرية التي تتيحها اليوم اللجان الخيرية المنتشرة في البلاد، حيث انه من جيل الثلاثينات، ولم يكن المجال متاحا كما هو اليوم، حيث كان البحث عن الرزق همّ الناس في ذلك الوقت.
الثاني.. تمنى لو انه استغل صحته وعافيته في طاعة الله والإكثار من الحج والعمرة والصلاة مع المسلمين في المساجد بدلا من الشعور بالكسل واهمال الجماعة وعدم دخول المسجد الا يوم الجمعة.
والثالث.. تمنى لو انه استغل الفراغ الكبير الذي كان يعانيه في قراءة الكتب الدينية ومعرفة أحكام الدين في شؤون الحياة بدلا من الاستماع الى آراء آثار الحكيم في الحجاب وفتاوى «الدين يسر ما هو عسر» التي ضللت الناس وجعلت الدين مائعا كميوعة اللبن الخاثر!
أما الرابع فتمنى لو انه استغل الوفرة المالية التي كانت متوافرة لديه قبل سنوات عدة قبل ان يخسرها في اللهو ويضيعها في العبث، وتمنى لو انه تصدق على الفقراء وطهرها بالزكاة ودعم بها المشاريع الإسلامية التي تنفذها الجمعيات الإسلامية الكويتية في مناطق فقراء المسلمين، يقول لو فعلت ذلك لوجدت كل ما أنفقت في ميزاني غدا عندما ألقى الله عز وجل عاريا، لكنني الآن لا أملك شيئا وقد اكتوي بتلك الأموال التي بعثرتها.
ويقول الخامس: أتمنى لو يمد الله في عمري لأصحح مسيرتي، فقد كنت أصدق ما يقولونه عن الجماعات الإسلامية من انهم يرتبطون بتنظيمات خارجية ويتم تمويلهم من هناك، وكنت أقرأ لكتاب كل همهم تشويه عمل الخير وتضليل الناس بكتاباتهم عن مسيرة المتدينين، حتى انني سرت معهم في النهج نفسه، وجاءهم من اذاي ما جاءهم، وساهمت في تشويه صورتهم مع انني كنت أعلم انهم غير ذلك، لكنه الحقد الذي أعمى البصر والبصيرة.
عزيزي القارئ، هذه أمنيات كهول وشيبان لم يتبق لهم من العمر الا القليل، اذا اراد الله، ان لم يكن معظمهم غادرنا الى لقاء ربه ليقف بين يديه متجردا من كل الأسلحة الا ما قدم «وان ليس للإنسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى». وقال صلى الله عليه وسلم «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل مماتك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك».
فهل من عاقل يتدارك الأمر اليوم قبل فوات الأوان «ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وان كنت لمن الساخرين» صدق الله العظيم.

احمد الصراف

أحلام لم تتحقق

تعمل بروني وير Bronnie Ware ممرضة في احد مصحات كبار السن. وخلال عملها قامت بتدوين مشاعر ورغبات أولئك الذين كانوا على فراش الموت، ووجدت أن غالبيتهم تحسروا على عدم فعل أو القيام بأمر من الأمور الخمسة التالية، والتي لسبب أو لآخر لم يستطيعوا تحقيقها: أولا: يا ليت كانت لدينا الشجاعة لأن نعيش الحياة التي كنا نرغب فيها ونحبها، وليست الحياة التي أرادها لنا الآخرون! وهذا صحيح إلى حد كبير، وربما ينطبق الأمر على النساء، في منطقتنا بالذات، أكثر منه على الرجال.
ثانيا: أتمنى لو أنني لم اعمل بكل تلك الجدية طوال حياتي! وهذه ربما تنطبق على الرجال أكثر، وليس في منطقتنا غالبا. ويقول هؤلاء ان انشغالهم بالعمل أفقدهم متعة الاستمتاع بطفولتهم، أو برفقة شركاء حياتهم من خلال قضاء وقت أقل في المكتب أو الورشة. وتحقيق هذه الأمنية ليس بالأمر الصعب متى ما علمنا أن المال الذي نتعب في الحصول عليه هو غالبا أكثر مما نحن بحاجة اليه! وثالث الأمنيات، التي فات الوقت لتحقيقها على من كانوا على فراش الموت: يا ليت كنت أمتلك الشجاعة في التعبير عن حقيقة مشاعري! وهذه تنطبق على الجنسين، وفي أي مجتمع كان. فنحن غالبا ما نلجأ لهذا الأسلوب لكي نحتفظ بعلاقتنا «الطيبة» مع الآخرين، ولكن لو علمنا بفوائد مصارحة الآخر بحقيقة مشاعرنا لما تردد الكثيرون منا في ذلك، وليزعل من يزعل!
ورابع الأمنيات: ياليتني احتفظت باتصالاتي وعلاقاتي مع اصدقائي! وهذه تصبح أكثر أهمية مع التقدم في العمر، فنحن عادة لا نقدر قيمة الأصدقاء إلا بعد فقدهم، بالبعد أو الموت أو الخلاف، فالحياة غالبا ما تجرفنا عنهم، وفي آخر ايامنا نصبح أحوج ما نكون للاصدقاء والمحبين. أما الأمنية الخامسة فهي: يا ليتني كنت أكثر مرحا في حياتي واقل جدية! وهذه عادة ما يكتشف أهميتها من قضى حياته متجهما، مقطب الجبين، دائم العبوس والجدية، ولم يكسب غير بعد الناس عنه.
والآن، طالما أن هناك متسعاً من الوقت لدينا، فهل لدينا الشجاعة لتقليل «آهات وحسرات» ما قبل الموت، ومحاولة الاستمتاع بملذات الحياة ومسراتها بقدر ما نستطيع، إن لم يكن بالإمكان، «حتى الثمالة»؟

أحمد الصراف