في 14/7/58 حدث الانقلاب الدموي الاسود في العراق وتظهر الوثائق السرية للادارة السياسية في كل من اميركا وبريطانيا انهما لم تمانعا في استفراد الطاغية قاسم بالحكم، وقيامه بالتخلص من القوى القومية، كونه اخف الضررين مقارنة بالرئيس عبدالناصر صاحب الشخصية الكاريزمية الذي حرض شعوب المنطقة عليهما، واسقط عدة انظمة موالية لهما.
وكان قاسم قد خرج لاستقبال الشيخ عبدالله السالم عندما زار بغداد في 25/11/58، مما يعني تعامله معه على انه رئيس دولة مستقلة، لذا كان مستغربا ان يطالب بالكويت بعد اعلان استقلالها في مثل هذا اليوم عام 61، وقد قيل ان من مبررات تلك المطالبة المستهجنة اشغال الشعب العراقي عن مشاكله الداخلية المتزايدة، والمزايدة على القوميين في مسألة الوحدة العربية، وقد صدرت عن الجانب العراقي كتب عدة تحدثت عن مباحثات كويتية – عراقية سرية تمت ابان تلك الفترة المضطربة، ولم يصدر عن الجانب الكويتي شيء حتى اليوم، لذا سنناقش تلك الفكرة كما طرحت من الجانب العراقي لنثبت انها تظهر حنكة ودهاء كويتيا اخذ من تلك المباحثات كل شيء ولم يعط شيئا ولم يقر قاسم على مطالبه.
فقد صدر قبل ايام من مكتبة مدبولي كتاب «السياسة الخارجية العراقية 1958 – 1963» للباحث العراقي د.قحطان الحمداني، واتى ضمنه ان اللواء الداغستاني صرح ابان محاكمته امام المهداوي بأنه كان ينوي القيام بانقلاب يبقي فقط الملك فيصل الثاني في الحكم، ويحتل على اثره الكويت عبر خديعة اسماها «حركة مغوار» تتلخص في ارسال عسكريين عراقيين على شكل مدنيين يدخلون الكويت ثم يتم بشكل مفاجئ احتلالها، ويدعي الكاتب ان قاسم أصر عند انشاء منظمة الاوپيك في بغداد عام 60 على ان تسمى بمنظمة «الاقطار» المصدرة للنفط لا منظمة «الدول» المصدرة للنفط حتى يمكن له الادعاء بأن الكويت ليست دولة في وقت لاحق، سؤال عارض: لماذا لا نتقدم بمقترح بتسميتها منظمة الدول بعد ان استقلت جميع الاقطار المصدرة للنفط بعكس ما كان عليه الوضع عام 60 وما بعده؟
ويظهر الكتاب حقيقة ان الشعب العراقي ممثلا بحركاته السياسية الفاعلة كحزب البعث وحركة القوميين العرب والناصريين حتى الحزب الشيوعي العراقي، كانوا جميعا رافضين لتلك المطالبة آنذاك عبر بياناتهم المعلنة، كما كسبت الكويت المعركة الديبلوماسية حسب قول الكاتب عبر اعتراف 62 دولة بها وتبادل التمثيل الديبلوماسي مع دول عديدة اخرى، ويستطرد المؤلف في الحديث عن مباحثات كويتية – عراقية سرية تمت في زيورخ واثينا وبيروت عامي 62 – 63 واستمرت حتى سقوط الطاغية.
ويرى الباحث في كتابه المعادي للكويت في بعض اجزائه أن تلك المباحثات دلت على «ان الديبلوماسية الكويتية كانت اكثر براعة وحنكة»، فقيام المباحثات بحد ذاته يعني اعتراف قاسم بالكويت ونظام حكمها ككيان منفصل بعكس ما يشاع، كما ان المفاوض الكويتي لم يتزحزح قيد أنملة عن المطالبة بالاعتراف الكامل والعلني باستقلال دولة الكويت قبل الحديث عن اي امر آخر، ويرى الكاتب في الختام ان الكويت استطاعت بدهاء شديد وعبر تلك المباحثات المطولة ان تكسب عامل الوقت وتحد من احتمال حدوث هجوم مباغت عليها من قبل قاسم بعد ان ارتحلت القوات البريطانية والعربية عن ارضها، واستمرت المباحثات السرية حتى تم اسقاط نظام حكمه عام 63، الشهادة للكويت من باحث خصم اجدى واقوى من شهادة باحث صديق.
آخر محطة:
(1): الجميل في تاريخنا انه وبعكس تاريخ امم عديدة اخرى لا شيء فيه يدعونا للخجل او عدم الحديث عنه طالما تسلحنا بالفكر والعلم والتنظير والمعلومة التاريخية الصحيحة مع القدرة على رد الحجة بالحجة.
(2) كشف لنا الكتاب ان اللواء غازي الداغستاني هو ضحية اخرى لـ «حوبة» الكويت الشهيرة.
(3) احال صدام خديعة «حركة مغوار» التي تحدث عنها اللواء الداغستاني الى حركة اخرى شبيهة اضاعته واحالته الى ضحية اخرى للحوبة.. والعبرة لمن اعتبر.