سامي النصف

النطق السامي عَكَسَ حس المواطن

بعد أن قال المواطن كلمته بطريقة صريحة وواضحة لممثليه بعدم الرغبة في التأزيم والدعوة للدفع بعجلة التنمية سريعا الى الأمام، أتى النطق السامي الذي ألقاه صاحب السمو الأمير المفدى صباح أمس، مؤكدا على هذه الثوابت الوطنية بشكل لا يترك مجالا لسوء الفهم او الادعاء بعدم وصول الرسالة من أبي الجميع و«نوخذة» سفينة الوطن.

فبعد تهنئته الأعضاء بثقة الناخبين أتت في النطق السامي الحاجة إلى «التسامي بقيمنا الموروثة والارتقاء بأهدافنا وطموحاتنا متطلعين الى غد يحل فيه التعاون محل الاختلاف، كي لا تضيع المشاريع التنموية في زحمة الخلافات والازمات السياسية فالتعاون حوار خلاق وعمل دؤوب والاختلاف والجدل مدعاة للخذلان والتخلف».

كما طالب سموه النواب بالابتعاد عن «ما شهدته العلاقة بين السلطتين في الفصل التشريعي السابق من أسلوب التهديد والتصعيد والتشكيك وتدني لغة الحوار والتطاول على الآخرين والاندفاع بالعمل البرلماني لغير أغراضه والاتجاه نحو التعسف والشخصانية احيانا في استعمال بعض الأعضاء لحقهم الدستوري (الاستجوابات غير المبررة) بالاضافة الى المبالغة في تقديم الاقتراحات بالقوانين ذات الطابع الانتخابي المحض، ولعل ما يثير التساؤل ما برز مؤخرا من مظاهر تمثلت في استمراء مخالفة القانون والتحريض على تجاوزه والاساءة للمسؤولين بما ينال من هيبة الدولة ومكانتها».

كما ذكّر سموه النواب الأفاضل بأن «تعيين رئيس مجلس الوزراء هو اختيارنا وقرارنا وحق أصيل للأمير وحده وفقا لأحكام الدستور لا يجوز لأحد التجاوز عليه أو التدخل فيه، وقد نبهنا مرارا الى مغبة الاستقواء بغير القانون أو الخروج على الثوابت الوطنية كي تبقى محصنة ضد أي فوضى أو فتنة أو خراب».

وأتى ختام النطق السامي قويا كحال مبدئه، حيث ذكر النواب الأفاضل بما جرى في الماضي القريب: «ازاء مظاهر الانحراف والتجاوزات كان لزاما اتخاذ قرار حل مجلس الأمة السابق بعد ان استنفدت جميع السبل والتضحيات والدعوات التي لم تجد نفعا، وان امانة المسؤولية تفرض علينا التدخل دوما لئلا تكون مصالح البلاد مطية الأهواء، متمنيا على الجميع تحكيم العقل والضمير في تقويم تجاربنا السابقة استخلاصا للدروس والعبر».

لقد نصح سموه النواب في المجلس السابق ودعاهم أكثر من مرة للبعد عن نهج الإثارة والتأزيم إلا ان البعض سار في طريق مخالف للنصح الأبوي فانتهى الأمر بالحل الذي شهدناه، وقد اتى النطق السامي ناصحا مرة أخرى وداعيا الحكومة والمجلس لرفع شأن الكويت والدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، فهل يتم تحكيم العقل هذه المرة ونشهد 4 سنوات من الاستقرار السياسي والانجاز الاقتصادي؟ نرجو ذلك فالكويت لا تحتمل سنوات جديدة من التأزيم والتخلف.

احمد الصراف

شجرة الوييد والعراق

في ستينات القرن الماضي وقعت كارثة بيئية في العراق، لكن النظام المتسلط فيها استطاع وقتها اخفاء الكثير من معالمها عن العالم، ولكن البعض من أخبارها وآثارها تسرب إلى الكويت، ولكن أحدا لم يجرؤ على التحدث فيه في ظل وضع صحافة تلك الأيام، وتوتر العلاقة بين حكم تلك الدولة الدكتاتوري غير المستقر من جهة، وشبه الديموقراطي والمستقر في الكويت من جهة أخرى.
حدثت الكارثة عندما قامت الحكومة العراقية بشراء كميات كبيرة من البذور الزراعية المعالجة التي بإمكانها البقاء في التربة بعد زراعتها لأكثر من سنة في حال عدم سقوط المطر اللازم لنموها، بسبب خاصيتها المقاومة للآفات الزراعية.
وزعت الحكومة تلك البذور مجانا على المزارعين أو الفلح، وخاصة في منطقة جنوب العراق. كما حذرتهم من مغبة ادخال تلك البذور في طعامهم بسبب سمية المواد التي استخدمت في تكسيتها وحمايتها من الآفات.
بسبب عدم ثقة هؤلاء الفلاحين بحكومتهم، أو ربما لكسلهم، قاموا في مرحلة أولى بتجربة اطعام تلك البذور للدواجن وعندما لم تظهر عليها أي آثار جانبية أو مرض بعد يوم أو يومين قاموا باطعامها لحيوانات أكبر، وعندما لم تظهر على هذه الحيوانات أي أعراض ايضاً، قاموا بطحنها وتناولها.
لم تستسغ الحكومة تصرف اولئك المزارعين الكسالى وقامت في السنة التالية باستيراد كميات أكبر من تلك البذور، ولكنها قامت هذه المرة بزيادة نسبة سميتها، وحذرت المزارعين من خطورتها الشديدة، ووضعت علامات تحذير بارزة على الأكياس.
لم يعبأ هؤلاء بتحذيرات الحكومة هذه المرة ايضاً، وقاموا بتكرار اطعامها لماشيتهم ولما لم تظهر عليها أي أعراض قاموا بتناولها!
وهنا حدثت الكارثة، حيث ان سمية تلك الحبوب كانت تتطلب مرور اسبوع على الأقل لكي تظهر آثارها على حيوانات الحقل، ولم ينتظر هؤلاء الفترة الكافية بسبب جهلهم بخواصها، وبالتالي قاموا بتناولها فأصيب عدد كبير منهم بأمراض مختلفة، كما امتدت الاصابات إلى المواشي والدواجن التي اصيبت بأعراض تسمم واضحة ونفق منها الكثير، واصبح من الخطر تناول لحومها.
غضب المزارعون مما اصابهم وقاموا، خوفا من بطش الحكومة أو جهلا، برمي ما تبقى لديهم من بذور في النهر، فأدى ذلك إلى تسمم الثروة السمكية!!
وهكذا اكتملت حلقات المأساة، واصبح جزء كبير من شعب جنوب العراق نباتيا بغير إرادته، بعد ان حرم من تناول لحوم الأبقار والأغنام والأسماك لعدة أشهر. واتذكر حينها ان الكويت منعت ادخال أي لحوم أو أسماك من العراق، وشمل الحظر منتجات أخرى كالزبدة والقيمر، وحتى البقصم!!
تذكرت تلك الحادثة وأنا أقرأ عن اكتشاف عظيم توصلت إليه مختبرات الغرب الكافر التي يصفها البعض بالنجسة، الذي تعلق بالنجاح في انتاج بذور زراعية ذات قدرة عالية على مقاومة الآفات الزراعية، وخاصة في المناطق التي تنتشر فيها نباتات وأشجار الوييد Weed التي تمد جذورها لمسافات طويلة وقريبة من السطح، والتي تتغذى على ما تصادفه في طريقها من بذور زراعية، والتي كان من الاستحالة تجنب الزراعة بعيدا عنها أو ازالتها بسبب كثرتها الغريبة وقوتها وانتشار جذورها لمسافات طويلة.
ويعتقد الخبراء ان استخدام هذه البذور سيزيد من دخل مزارعي الدول المعنية بنسب عالية تبلغ مليارات الدولارات سنويا.
فماذا فعلنا طوال قرون بدخل بترولنا من أجل هؤلاء التعساء والمنكوبين؟!

أحمد الصراف
[email protected]