سامي النصف

هل نحن شعب إصلاحي؟

اكثر كلمة تستخدم شعبيا هذه الايام هي «الاصلاح»، وجميل ان نطالب جميعا بالاصلاح الا انه علينا ان نعي المعنى الحقيقي لتلك الكلمة حتى نعلم بعد ذلك هل نحن حقا اصلاحيون ام اننا ندعو إلى الامر ونفعل عكسه تماما؟!

للاصلاح معان عدة في القاموس السياسي، فالاصلاح في مجتمع شيوعي يعني القضاء على معاقل الرأسمالية وأسس الديموقراطية الليبرالية في الدولة، بينما يعني الاصلاح في بلد تحرر للتو من النظام الماركسي تحرير الاقتصاد وفتح صناديق الاقتراع الحر. ان الاصلاح بشكل عام هو العمل على بسط سلطة القانون والقضاء على الفساد والبعد عن التخندقات الطائفية والعائلية والقبلية ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وتعزيز مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص في الدولة والحفاظ على المال العام والتخطيط لمستقبل مشرق للاجيال القادمة.

وقد جرت العادة ان تؤمن شعوب العالم الثالث بتلك المبادئ الاصلاحية الخيّرة وتعارضها بالمقابل حكوماتها، ولدينا في الكويت نلحظ في بعض الاحيان العكس من ذلك تماما فالحكومة تبعد المسؤولين السيئين عن مواقع العمل فيها فتحملهم الجماهير على الاعناق وتوصلهم لكراسي البرلمان، وتحاول الحكومة جاهدة الحفاظ على الاموال العامة لاجيالنا المقبلة بينما تدعو المطالب «الشعبية» بالمقابل لسفك حرمة تلك الاموال على مذبح القضايا الاستهلاكية التي لا تضع في الحسبان ما سيحدث للكويت في القادم من الزمن.

وتعطي الدولة للمرأة حقوقها السياسية، فتسقطها الجماهير وتحرمها من حق الفوز في الانتخابات البرلمانية، كما تحاول عبر بعض ممثليها ابعادها عن الكرسي الوزاري، وتسعى الحكومة لتطبيق القانون ومنع التجاوزات على اراضي الدولة في وقت تسعى فيه الجماهير للاستيلاء على الاراضي العامة تحت الف مسمى ومسمى، كما تحاول عبر بعض ممثليها محاسبة المسؤول الذي يحرص على تطبيق القوانين، لا العكس.

ويسعى المسؤولون في الدولة لتعزيز مبدأي العقاب والثواب وعزل المتجاوزين فتأتي رياح الجماهير قوية ومعاكسة لذلك التوجه، بل تدعو في بعض الاحيان للتمسك بهؤلاء المتجاوزين ومكافأتهم ان امكن.

ان المجتمعات الانسانية لا تتجه للامام عبر الشعارات التي ترفع دون مضمون ولذلك فنحن في حاجة ماسة لحركة مجتمعية نشطة تقوم بإنهاض الهمم وتوقظ الضمائر التي افسدتها المصالح الشخصية الضيقة حتى تتطابق الاقوال مع الافعال وتبدأ سفينة الوطن بالتحرك ودون ذلك سيمر علينا قرن، ولربما ألفية اخرى، ونحن نحلم كجماهير بالاصلاح ليلا لنمارس الفساد نهارا.

احمد الصراف

توماس والمشروب والإرهاب

يقول توماس فريدمان، الصحافي الاميركي الاشهر، بأنه عندما كان صغيرا كان والده يطلب منه اكمال تناول ما في صحنه من طعام لأن هناك فقراء في الهند وغيرها ينامون جوعى!! ولكنه اصبح الآن يطلب من ابنائه تلقي العلوم الصحيحة والانكباب على الدراسة لأن هناك في الهند وغيرها من سيأخذ وظائفهم مستقبلا، ان لم يتزودوا من العلم كفايته.
وذكر في مقابلة تلفزيونية انه تعلم من زياراته العديدة للهند، ومن احداها استقى فكرة كتابة The world is Flat، وهو الكتاب الاكثر مبيعا في العالم منذ سنوات، والذي قال فيه ان العالم بفضل وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، اصبح مسطحا وان الحواجز التي كانت تفصله قد تساقطت، واصبح العلم كذلك في متناول الجميع، وان انكباب شعوب آسيا على تلقي العلم والبروز في الصعب والمتقدم منه قد جعلهم مصدر تهديد حقيقي لوظائف مواطني الدول الغربية!! ومن هنا جاءت دعوته لحكومات الدول الغربية، ووطنه اميركا، بضرورة التركيز على دراسة الرياضيات وعلوم الكمبيوتر المتقدمة والتي اصبح للآسيويين، والهنود بشكل خاص، قصب السبق فيها.
يمكن القول بشكل عام ان كل دول مجلس التعاون تعاني من مشكلة خطيرة تتعلق بالتركيبة السكانية!! ولم ننفك جميعا، ومنذ نصف قرن، من الشكوى من هذا الوضع الخطير، ولكن لم تتبرع اية جهة رسمية او مسؤولة للتصدي بالسؤال عن سبب وجود كل هذا العدد الضخم من الموظفين والفنيين الهنود في الدول الخليجية، وسبب ذلك يعود الى ان الاجابة معروفة من جهة، ومن جهة اخرى التصدي للسؤال يتطلب اتخاذ القرار، وهذا ما لا يود احد تحمل مسؤوليته!
كان من السهل تقبل هذا الوضع وهذا الخلل في التركيبة لمصلحة غير المواطن قبل نصف قرن، او اقل، بسبب نمو الدول الخليجية السريع وحاجتها للخبرات الادارية والفنية، وانتشار الامية وقلة عدد المدارس، وعندما كان المتعلم هو الذي يعرف قراءة القرآن وتفسيره، ولكن ما هو عذرنا، في الكويت على الاقل، وبعد مائة عام تقريبا من التعليم شبه المنتظم؟
من الغريب، وبعكس العالم اجمع، انه كلما زادت مخرجات مدارسنا وجامعاتنا زادت حاجتنا للغير، ليقوم بالفني والدقيق من وظائفنا واعمالنا، وهذا عائد بشكل رئيسي لضعف المخرجات نتيجة لسوء النظام التعليمي الحكومي وعدم الاهتمام بالنوعية، طالما تضمنت المناهج ما يرضي الجماعات الدينية المسيسة والمتخلفة!
ان وجود هذا الهندي بيننا، والهندي كمثال فقط، ليس ترفا بل حاجة وابداع، فهو حاجة بسبب شبه انعدام خبراته لدينا، وابداع بسبب ما وفره نظام وطنه التعليمي له من منهج مدروس، علما بأن نسبة الامية بين اطفال الهند من سن السادسة وحتى الرابعة عشرة تزيد على 45%!
ما نود قوله هنا اننا نعيش عصر العلم ومن له الغلبة فيه سيحكم العالم في العقود المقبلة كما حكمته الآلة الغربية المدعومة بالعلم في المائتي سنة الماضية، ولكن يبدو ان مشرعينا سيكونون منشغلين في السنوات المقبلة بصور حفل خاص لموظفي مستشفى وبغطاء رأس وزيرة، والتساهل، او التجاهل، في الوقت نفسه مع اي قانون يحارب الارهاب!

• ملاحظة: مؤسف ألا يعرف كل المهللين للضوابط الهلامية الشرعية ان المتدين الضعيف القدرات والامكانات والناقص العلم والفهم ليس بالضرورة احسن ممن يخالفه في الافكار والمعتقدات، فالضعيف يسهل الهوان عليه ولو كان يحمل اسفار علوم الدين كلها على رأسه.

أحمد الصراف
[email protected]