سامي النصف

تدمير الحريات بعد تدمير عمليات التنمية

أكبر حجة لدعاة الديموقراطية في العالم مقابل دعاة النظم الديكتاتورية كنظام صدام وغيره هي ان الديموقراطية تدعم عمليات التنمية فتقفز بالبلدان التي تأخذ بها الى الرفاه والتقدم، والحال كذلك مع الحريات العامة، الغريب اننا اصبحنا في الكويت الاستثناء من تلك القاعدة العامة، فقد تم تدمير عمليات التنمية في بلدنا مقارنة بأحوال الجيران (غير الديموقراطيين) ممن كنا نسبقهم بنصف قرن، فأصبحوا يسبقوننا بنصف قرن والمسافة تتباعد فيما بيننا مع كل أزمة أو فرقعة سياسية تحدث في البلد.

فبعد ضوابط الحفلات ولجنة محاربة الاخلاق الدخيلة التي نخشى أن تنتهي بمنع النساء من قيادة السيارات وفرض النقاب أو الحجاب عليهن من منطلق ان السفور وقيادة السيارات قيم دخيلة على المجتمع، أتت محاولة الحجر على آراء جمع من المواطنين ممن رأوا أن يمارسوا الحريات التي كفلها الدستور لنا جميعا عبر اظهار تأييدهم للنطق السامي التاريخي الذي حاز اعجاب جميع قطاعات الشعب الكويتي وترجم بشكل صادق أحاسيسهم ومشاعرهم.

وفي ظل هذه الهجمة الشرسة على الحريات العامة نرى اننا بحاجة ماسة لتفعيل دور المحكمة الدستورية كالحال في الدول المتقدمة لمنع أي ممارسات أو تشريعات تقفز على الدستور، وتحد من الحريات تارة باسم الشريعة والشريعة منها براء، وتارة اخرى تحت راية احتكار الوطنية من قبل بعض القمعيين ممن يرون أن الحرية مسموحة فقط عندما تلقى هوى في أنفسهم، وممنوعة ومقموعة عندما يقوم بها اصحاب الآراء الاخرى، وحقيقة خوش ديموقراطية وخوش فهم لحرية الرأي، الا ان تلك الممارسة وذلك الفهم العقيم هما الانقلاب الحقيقي على الدستور.

ومما يظهر بصورة جلية ضعف حجة من اعترض على رسالة المواطنين الكويتيين استخدام البعض للاسف الشديد الكذب والزيف في محاربتها، فتارة يدعي – دون بينة – انها ضد الدستور، رغم أن نصوصها واضحة وجلية في التمسك به، وتارة اخرى يدعي أن حل المجلس في عامي 76 و86 قد سبقته كتابة رسائل وعرائض كالحال هذه الايام ومن نفس الاسماء (!!)، ومعروف ان تلك الحقبة هي من التاريخ الحديث المدون في عشرات الكتب، كما أن شهودها احياء يرزقون، ونتحدى ان يأتي احد بوثيقة أو عريضة واحدة كتبت آنذاك تحض على الانقلاب على الدستور، لقد أتى الحل في تلك الفترة مفاجئا، ولم تسبقه عرائض أو رسائل، ولا يستخدم الافتراء وتزوير الحقائق – للعلم – الا من ضعفت حجته وسقط ادعاؤه.

اخيرا علينا أن نعلم ان الحريات هي جزء لا يتجزأ، وحري بمن يدّعون أنهم حماة الدستور ان يتراجعوا عن مواقفهم الخاطئة المستعجلة وان يهبّوا جميعا للدفاع عن اصحاب الرسالة في ابداء آرائهم بحرية مطلقة تطبيقا لمقولة فولتير الشهيرة وكي لا يتعشى بحرياتهم بعد ذلك من تغدى اليوم – وبدعمهم – بحريات الآخرين.

آخر محطة:
كنت أرى شخصيا اننا بعد 50 عاما من الممارسة السياسية مازلنا في سنة أولى روضة ديموقراطية، اعترف اليوم بخطئي الكبير في ذلك التقييم كوننا رجعنا هذه الايام من تلك المرحلة الدراسية «المتقدمة» الى… سنة اولى حضانة ديموقراطية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *