في عام 56 اتخذ الرئيس عبدالناصر قرارا بمفرده بتأميم قناة السويس دون حتى ان يشرك معه بالمشورة مجلس الوزراء او مجلس قيادة الثورة (الصوريين) وقد اكتفى بقراءة مستشاره هيكل الصائبة – كالعادة – للوضع الدولي والذي اخبره بأن فرنسا لن تقوم بالعدوان كونها منشغلة بالجزائر، ورئيس الوزراء البريطاني ايدن ضعيف وخرع ولن يجرؤ على القتال، كما لن تسمح بريطانيا (!) لإسرائيل بالعدوان، وفيما بعد عندما حذر ناصر صديقه عامر في 2/6/67 من احتمال قيام عدوان اسرائيلي في يوم 5/6 كان تعقيب المشير لقادته: لماذا اصدق نبوءات عبدالناصر هذه المرة وهو الذي ثبت خطأ حساباته الفادح في 56؟!
ويروي السفير مراد غالب في لقاء مع الجزيرة تفاصيل زيارة وزير الحربية شمس بدران لموسكو في تلك الايام الصعبة فيقول ان الوزير كان ضمن لقاءاته مع كبار المسؤولين الروس «لا يسمع نصف الكلام ولا يفهم نصفه الآخر»، وان كوسيغين حذر عبدالناصر في تلك اللقاءات عبر وزيره من عملية التسخين ومن مغبة مخاطر اغلاق المضايق، وسأل كوسيغين الوزير الزائر عما ستفعله مصر فيما لو حاولت اميركا ارسال بوارج حربية لفتح المضايق بالقوة، وكان رد الوزير: سنحول تلك السفن الى علب «سردين» غارقة، ويضيف السفير غالب ان شمس بدران عاد لمصر واخبر عبدالناصر بشيء مختلف تماما وهو ان السوفييت تعهدوا له بدخول الحرب مع مصر حال نشوبها مما جعل عبدالناصر يتشدد في مواقفه كما اوضح السفير في اللقاء انه ارسل لعبدالناصر يخبره باحتمال نشوب الحرب في صباح 5/6 بناء على معلومات استقاها بطريقة غير مباشرة من السفير الاميركي.
وقبل ايام قليلة نشرت الزميلة «الرؤية» الرؤية على الجانب الآخر اي الاسرائيلي، فذكرت ان مجلس الوزراء الاسرائيلي انعقد في 28/5/67 وقرر بالاجماع عدم دخول الحرب والاكتفاء بالجهد الديبلوماسي، إلا ان زيارة الملك حسين للقاهرة في 30/5 وإعلانه احياء معاهدة الدفاع المشترك مع مصر جعلتهم يغيرون رأيهم بعد احكام الطوق عليهم ويقررون في اجتماع 2/6 وبالاجماع شن الحرب على مصر اي ان هناك اجتهادا خاطئا آخر من الملك حسين رحمه الله اراد من خلاله وقف الحرب عبر تخويف اسرائيل من شنها فانتهى الامر بعكس ما قصد منه.
وفي 16/9/68 أصدر الصحافيان الفرنسيان فيك فانس وبيار لور كتابا من 130 صفحة تضمن لقاء مطولا مع الملك حسين حول اسرار وخفايا حرب 67 تم من خلاله بق البحصة وكان مما قاله الملك ان المشير عامر اتصل به صباح 5/6 واخبره ان مصر اسقطت 75% من الطائرات المغيرة وان طائراته تغطي سماء اسرائيل وتقصف تل ابيب وانه يطلب منه فتح جبهة جديدة من الاردن للمشاركة مع مصر بالنصر.
وبالمقابل ارسل له ليفي اشكول رئيس وزراء اسرائيل رسالة عن طريق الجنرال النرويجي اود بول رئيس قوات الهدنة يقول له فيها «اذا امتنعتم عن التدخل فلن يصيبكم ضرر»، ويضيف الملك حسين انه قرر دخول الحرب بعد اتصال عبدالناصر به الساعة 12 ظهرا وتكرار ما قاله عامر له، لذا ارسل لسورية طلبا بأن تشن طائراتهم عمليات مشتركة لضرب الطائرات الاسرائيلية العائدة من مصر دون اسلحة او وقود إلا ان القيادة السورية التي ورطت العرب بالحرب آنذاك اعتذرت بحجة ان طائراتها تقوم بعمليات «تدريب» وهو ما افشل خطة ضرب الطائرات الاسرائيلية وهي عائدة او وهي تتزود بالوقود على الارض مما كان سيعدل الكفتين ويمنع الهزيمة.. وكم في التاريخ العربي من عظات وعبر!