اكثر كلمة تستخدم شعبيا هذه الايام هي «الاصلاح»، وجميل ان نطالب جميعا بالاصلاح الا انه علينا ان نعي المعنى الحقيقي لتلك الكلمة حتى نعلم بعد ذلك هل نحن حقا اصلاحيون ام اننا ندعو إلى الامر ونفعل عكسه تماما؟!
للاصلاح معان عدة في القاموس السياسي، فالاصلاح في مجتمع شيوعي يعني القضاء على معاقل الرأسمالية وأسس الديموقراطية الليبرالية في الدولة، بينما يعني الاصلاح في بلد تحرر للتو من النظام الماركسي تحرير الاقتصاد وفتح صناديق الاقتراع الحر. ان الاصلاح بشكل عام هو العمل على بسط سلطة القانون والقضاء على الفساد والبعد عن التخندقات الطائفية والعائلية والقبلية ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وتعزيز مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص في الدولة والحفاظ على المال العام والتخطيط لمستقبل مشرق للاجيال القادمة.
وقد جرت العادة ان تؤمن شعوب العالم الثالث بتلك المبادئ الاصلاحية الخيّرة وتعارضها بالمقابل حكوماتها، ولدينا في الكويت نلحظ في بعض الاحيان العكس من ذلك تماما فالحكومة تبعد المسؤولين السيئين عن مواقع العمل فيها فتحملهم الجماهير على الاعناق وتوصلهم لكراسي البرلمان، وتحاول الحكومة جاهدة الحفاظ على الاموال العامة لاجيالنا المقبلة بينما تدعو المطالب «الشعبية» بالمقابل لسفك حرمة تلك الاموال على مذبح القضايا الاستهلاكية التي لا تضع في الحسبان ما سيحدث للكويت في القادم من الزمن.
وتعطي الدولة للمرأة حقوقها السياسية، فتسقطها الجماهير وتحرمها من حق الفوز في الانتخابات البرلمانية، كما تحاول عبر بعض ممثليها ابعادها عن الكرسي الوزاري، وتسعى الحكومة لتطبيق القانون ومنع التجاوزات على اراضي الدولة في وقت تسعى فيه الجماهير للاستيلاء على الاراضي العامة تحت الف مسمى ومسمى، كما تحاول عبر بعض ممثليها محاسبة المسؤول الذي يحرص على تطبيق القوانين، لا العكس.
ويسعى المسؤولون في الدولة لتعزيز مبدأي العقاب والثواب وعزل المتجاوزين فتأتي رياح الجماهير قوية ومعاكسة لذلك التوجه، بل تدعو في بعض الاحيان للتمسك بهؤلاء المتجاوزين ومكافأتهم ان امكن.
ان المجتمعات الانسانية لا تتجه للامام عبر الشعارات التي ترفع دون مضمون ولذلك فنحن في حاجة ماسة لحركة مجتمعية نشطة تقوم بإنهاض الهمم وتوقظ الضمائر التي افسدتها المصالح الشخصية الضيقة حتى تتطابق الاقوال مع الافعال وتبدأ سفينة الوطن بالتحرك ودون ذلك سيمر علينا قرن، ولربما ألفية اخرى، ونحن نحلم كجماهير بالاصلاح ليلا لنمارس الفساد نهارا.