سامي النصف

قرقيعان العيد

«عيدكم مبارك» جملة سحرية من كلمتين تؤديان الغرض بالكامل من التهنئة التي تحملها مسجات SMS، لذا لا أعلم سبب استبدال تلك التهنئة السهلة بما هو أشبه بقصيدة مطولة أو كتاب معقد، خاصة ما يبتدأ منها بـ «إذا سبقتونا بالتهنئة.. إلخ» وكأن العيد أصبح ميدان سبق خيل، ضمن التهاني والتبريكات هناك الطريف منها مثل من ترجم كلمة «الفطر» الى mushroom او fungus.

اختتم رئيس اسرائيل شمعون بيريز شهر رمضان المبارك بدعوة إفطار لقيادات وسفراء الدول الاسلامية وقد تم الأذان والصلاة في منزله وقد وعد بتكرار تلك الدعوة كل عام، يتزامن هذا مع إضاءة مبنى الإمبايرستيت في نيويورك للمرة الاولى في تاريخه احتفالا بأعياد المسلمين بعد ان كان يقتصر على اعياد المسيحيين واليهود، هذا التسامح في العالم يقابله رفض اللجنة الفنية في البلدية لإنشاء مسجد لأبناء طائفة البهرة المسلمة والمسالمة جدا والتي لا تؤمن اصلا بالتبشير او تغيير المذاهب.

حصل آل غور على جائزة نوبل للسلام لهذا العام الذي عادة ما يتهم الإعلام العربي القائمين عليها بمحاباة اللوبي الصهيوني، ورغم ان المسلمين يشكلون اقل من خُمس سكان العالم وتطغى على بلدانهم الحروب، الا ان سجلات تلك المنظمة العالمية – المفترى عليها – تظهر انها اعطت جائزتها للسلام لعام 2006 للبنغالي المسلم محمد يونس وعام 2005 للمصري محمد البرادعي وعام 2003 للإيرانية شيرين عبادي، لذا نرجو أن نتوقف عن إلقاء التهم جزافا والاستماع للموروثات الثورية الكاذبة المعتادة.

حسبة الحرب القادمة في الخليج بسيطة في نظري، الديموقراطيون الأقرب للفوز بالانتخابات الاميركية العام المقبل لن يقوموا «على الأرجح» بتلك الحرب في حقبتهم – وإن كان لا يوجد ما يمنع ذلك بشكل مطلق – لذا فالحرب ستتم في العهد الجمهوري الحالي وبما ان الشتاء والربيع هما الفصلان الأمثلان للحروب في الخليج نظرا للحرارة الشديدة في غيرهما، ما يؤثر على كفاءة الأسلحة وقدرات الجنود، لذا نتوقع ان تشهد الأشهر الستة المقبلة اندلاع تلك الحرب.

في هذا السياق، القواعد الأميركية في الكويت وباقي دول الخليج هي ضرورة أمنية مُلحّة تختلف شعوب الخليج على كل شيء إلا على ضرورتها والترحيب بها، لذا فلا معنى ولا مغزى لتهديد دول الخليج والكويت على رأسها على معطى وجود تلك القواعد التي صرحت دول الخليج بأنها وضعت للدفاع عنها لا للهجوم على دول الجيران.

وعلمتنا تجارب الماضي القريب والبعيد امرين هامين اولهما ان من يرد الاعتداء على دولنا الخليجية فلن يعدم الأعذار الكاذبة وما أكثرها ومن ثم فالقضية في حقيقتها لا علاقة لها من قريب او بعيد بوجود تلك القواعد العسكرية، ثانيهما ضرورة ان نحافظ وألا نضحي أبدا بصداقتنا وعلاقتنا المميزة بالولايات المتحدة والمجتمع الدولي مهما قال من قال وصرخ من صرخ فلم نشهد الانتصارات والأيام المفرحة إلا بعد تحالفنا معهما.

سعيد محمد سعيد

ومع ذلك… عيدكم مبارك!

 

إذا كان المقدر والمحتوم علينا أن نعيش في رداء السوداوية والتشاؤم والرضوخ لأفكار أصحاب القضبان العقلية، فهذا يعني أن أولادنا أيضا – ويا حسرة عليهم – لن يكونوا أفضل منا حالا! اللهم إلا إذا استطعنا أن نزرع فيهم روح المبادرة وعدم السكوت على المغلوط من القول والفعل، لكن هيهات لفاقد الشيء أن يعطيه!

صبرا أيها الأحبة، فلايزال في المقدمة شيء ليقال… فليس من المعقول أن نودع شهر رمضان ونستقبل عيد الفطر المبارك ببعض الممارسات التي لابد من أن نلتفت إليها حتى لا يموت معنى الإنسانية في ديننا وموروثنا الإسلامي والإنساني والأخلاقي.

يكفي أن الناس تعيش طيلة شهر رمضان المبارك، وعلى مدى أكثر من خمسة أعوام مضت، في جو من المسلسلات ذات الحكايا والسيناريوهات الفاشلة من ناحية المعالجة الدرامية، والتي تكتفي بمقولة “لم الاعتراض، هذا ما يحدث في المجتمع فعلا”، وكفى!

يكفينا ما اعتاد عليه بعض المشايخ والخطباء، في أقدس البقاع وأطهرها، من دعوات للقتل والتدمير وسفك دماء المخالفين… يكفينا ما نشهده، في كل شهر فضيل، من مآسٍ سببها أبناء الأمة، والأفدح من ذلك وأشده ما يصدر عن “علماء الأمة”، أو ما يمكننا أن نسميهم تجاوزا علماء الأمة، وهم والله أقرب ما يكونون الى “ظلماء” الأمة… واذا كان هناك من يود الاعتراض، فليستعرض أكثر الخطب والمحاضرات والفعاليات التي شهدها شهر رمضان الماضي، أعاده الله على الجميع، ليكتشف كيف أن هناك من أصدر دعاوى صريحة وواضحة، ليس للإقصاء، والتضييق والتهجير فحسب، بل للقتل!

والمشكلة الكبرى، وهنا بيت القصيد، أن المجتمع الذي تزداد فيه العقول المتعلمة عاما بعد عام، لم يتمكن من أن يصنع من حملة تلك العقول طاقات تعمل ما تعلمته لتصبح لها آراؤها ومواقفها المحترمة، أيا كان اتجاه ومشرب ومسلك معتقنها، على ألا تصطدم بأهم عنصر في التعايش وهو الاستقرار الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.

لقد بان الإرهاق والتعب على المسلسل العربي الخليجي الجماهيري الكبير “طاش ما طاش” في سنته الخامسة عشرة، لكنه قدم الكثير، ويمكنه أن يقدم الكثير، ولولا ما هو محاط به من قيود الظلاميين و “الظلماء”، لكانت الفضائح، التي لن يفشل فريق العمل في معالجتها، كبيرة كبيرة، ولكانت ردود الفعل أشد وأقوى، فربما تحركت العقول المتعلمة (المجمدة) منذ مقاعد الدراسة الجامعية إلى مقاعد الوظيفة، ولأصبح لها دور فاعل في انقاذ المجتمع من حال السواد والتشاؤم والدماء والقتل.

وليست تلك أمنية، أو حلم، أو حتى مجرد خاطرة، لأن ذلك يحدث يوميا! وفي اعتقادي، أن الحركة الثقافية التجديدية في الخليج، سيكون لها رد فعل قوي ومؤثر جدا في مجتمعات الخليج قاطبة، وستقوم أمامها سيوف أحباب الله وحماة الدين، ممن يريدون المرأة “سلعة” مكرمة بالشعارات ومذمومة بالمعاشرة، وينظرون إلى الشباب على أنهم “قنابل”، ويضعون المجتمع كله بلا استثناء، تحت قبضتهم.

حتى في العيد، يجعلون الناس تتجه صوب الحزن…

وعلى كل حال… عيدكم مبارك.