لو تابعنا بدقة، التصريحات التي تأتي وتروح، تسمن وتضعف، تكبر وتصغر، تسطع وتخبو فيما يتعلق بكلمة «الحوار»، سنجد أنفسنا أمام واحدة من أشهر رقصات السامبا فشلاً! أو لنقل إننا نشاهد أمامنا بوضوح، التطبيق الفعلي للعبارة الشعبية البحرينية الشهيرة: «دودهو من دودهك من طقك»، في حين أن ما يؤسف له، هو تلك الشدة التي تحيط بالمجتمع البحريني من كل مكان، وكأن هذه الأزمة الشديدة بكل أبعادها، لا يُراد لها أن تنتهي إلا إذا تم العثور على «دودهو» وسؤاله عن أحواله وعمّا ألم به.
ولا أعتقد أن هناك أحداً في هذه البلاد الطيبة، مازال يصدق بأن هناك نية صادقة لإجراء حوار ينهي – على أقل تقدير – مسبقات حوار الطرشان إن جاز التعبير، والدخول في منطقة أكثر صدقاً مهما كانت العوائق، وإن أصاب المؤزّمين والمتاجرين الذين يعتاشون على الأزمات حالة من الهستيريا واستجمعوا قواهم لنقل البلد من حالة «الحريق الصغير» إلى «الحريق الهائل»، فيتوجب أن يكون من بين أهم المنطلقات، إيقاف أولئك عند حدهم والسلطة قادرة على ذلك دون شك.
بالمناسبة، فإن وصف «الحريق الصغير» ورد على لسان المفكر البحريني علي محمد فخرو، في ندوة نظمها نادي العروبة يوم الثلثاء (18 فبراير/ شباط 2014) بمشاركة أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة البحرين باقر النجار. وقد وصف فخرو الأزمة السياسية المستمرة منذ ثلاث سنوات وتبعاتها الخطيرة في بثّ الصدام الطائفي واستهداف النسيج الوطني والسلم الاجتماعي، بأنه حريق صغير يلزم رؤية وطنية عميقة تنقذ البلاد والعباد قبل التحوّل إلى «حريق هائل مدمر»، لاسيما على صعيد الصدام الطائفي والانقسام الخطير. وهو الأمر الذي يتوجب إدراكه من جانب كل الأطراف المعنية وعلى رأسهم السلطة.
وأهم المحاور التي بنى عليها فخرو والنجار رؤيتهما للخروج من المأزق، هي: الديمقراطية باعتبارها الطريق الصحيح للخروج من الطائفية والاحتقان من خلال برلمان «حقيقي»، وقضاء مستقل «موثوق بعدالته ونزاهته»، وتحريم الدعوات العلنية لأية مقاطعة اقتصادية «طائفية»، وضبط التجنيس حسب القانون وليس حسب الانتماء الطائفي، علاوةً على المحاسبة القانونية لأي تجاوز طائفي في الخطاب الديني، والمحاور في هذه الندوة تستحق القراءة بتأنٍ.
تلك الخلاصة التي طرحها وأجاد في تحليل أبعادها شخصيتان بحرينيتان لهما مكانتهما فكرياً وسياسياً واجتماعياً وعلمياً على مستوى البحرين والعالم العربي والإسلامي، لا يجب أن تهملها الأطراف المعنية، وعلى رأسها السلطة قطعاً.
من الصعب للغاية أن تبقى الأوضاع في بلادنا على حالها من الاحتقان والاشتعال وتبادل الاتهامات بالتخوين والتآمر، والدعوات الطائفية النتنة بالضرب بيد من حديد على كل من وضعه المؤزّمون في خانة التخوين والتآمر. ومن الأصعب أن تدور مفردة «الحوار» في وسائل الإعلام والصحف والتصريحات في حلقة مفرغة لا طائل من ورائها!
وكأي مواطن، يحق لي أن أتساءل مستغرباً: «ألهذا الحد تبدو الأزمة في البلاد عادية وبسيطة لدرجة التساهل والتمييع والتراخي في إيجاد أرضية واقعية لحوار ذي مغزى؟ ألهذه الدرجة بلغت درجة راحة وطمأنينة من لا يريد للأزمة أن تنتهي؟ هل نستغرب حين يصل المواطن إلى درجةٍ من التشاؤم والإحباط والتذمّر من لعبة الحوار؟».
إن استمرار التصريحات التي تعيد وتكرر وتصف الحوار… أو مرحلة ما يسبق الحوار، أو لنقل ضياع بوصلة الحوار لا تغني ولا تسمن من جوع؟ هل يستفيد الوطن والمواطن من كلام مكرّر من قبيل: «الحوار مستمر… الحوار سيستمر… نعمل لإنجاح الحوار… الحوار مسئولية كل الأطراف! سنبدأ الحوار… بدأ الحوار… ماضون في الحوار… الدولة الفلانية تؤيد الحوار، والدولة العلانية تؤكد على أهمية دخول كل الأطراف في الحوار! الحوار والحوار والحوار».!
وبالمقابل، هل يستفيد الوطن والمواطن من الأصوات النشاز التي تحذّر من الحوار، وتسخّف من الحوار، وترفض الحوار وتصفه بأنه حوارٌ مع خونة وإرهابيين، وأنه رضوخٌ لإملاءات وضغوط من الخارج؟
وأختم بالقول… لا يجب أن نستغرب حين يعلّق المواطن البسيط على الحوار بهيئته الحالية بقوله: «رحنا نفيش».