حتى فترة قريبة كانت دول مجلس التعاون تدفع بقوة بالاتفاقية الأمنية، وهي اتفاقية فيها الكثير مما يتناقض مع عموم المبادئ الواردة في إعلان حقوق الإنسان، الذي اعتمدته القمة الخليجية الأخيرة، ولكن لا بأس؛ فالسياسة متغيرة بطبيعتها، ونأمل أن يؤدي الإجماع على إصدار “الإعلان” إلى مراجعة وتنقيح الاتفاقية الأمنية من الشوائب.
من المهم مراجعة التعامل الخليجي مع المنظومة الحقوقية الدولية، ومدى تطابق ذلك على أرض الواقع، فمن حيث الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، فقد انضمت كل دول الخليج إلى “اتفاقية حقوق الطفل” بدءاً من الكويت سنة 1991 وانتهاءً بالإمارات سنة 1997.
وباستثناء عمان والإمارات، انضمت بقية الدول إلى “اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة” بدءاً بالكويت سنة 1994 وانتهاءً بالسعودية سنة 2000، وباستثناء عمان فقد انضمت كل دول الخليج إلى “اتفاقية مناهضة التعذيب بدءاً من الكويت في سنة 1996 وانتهاء بالإمارات سنة 2012. وفي حين تنفرد الكويت عن شقيقاتها الخليجيات بانضمامها إلى “العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” منذ 1996، فإنها مازالت غير ملتزمة بتعهداتها بإنشاء هيئة وطنية لحقوق الإنسان، وتتفق معها في ذلك دولة الإمارات، في الوقت الذي أنشأت فيه بقية الدول هيئاتها الوطنية بصرف النظر عن درجة كفاءتها وفعاليتها.
إذن، لا يوجد اتساق بين دول المجلس في كيفية تعاملها مع المنظومة الدولية، مما سيعقِّد الأمور أكثر في كيفية التعامل مع إعلان خليجي لحقوق الإنسان يطرح نفسه بمرجعية حقوقية دولية.
لا تنطبق الممارسة الخليجية حيال حقوق الإنسان مع ما جاء في “الإعلان”، ويبدو أن عدم التوافق هو ما أدى إلى خروج “الإعلان” بتوليفة وتركيبة عصية حيناً وسلسة حيناً آخر، ويبدو أن كمّاً كبيراً من الأخذ والرد مرّت به الوثيقة حتى خرجت من مطبخها السياسي كما جاءت وأعلن عنها، وهو أمر مفهوم، فحقوق الإنسان الدولية جديدة علينا وعلى مجتمعاتنا، ويبدو أننا صرنا مضطرين إلى التعامل معها بذات اللغة الدولية أو شيء منها لكي ندخل العالم ونحن جزء من السرب، بدلاً من أن نكون خارجه، فإن لم ننجح في ذلك على مستوى الممارسة فلا بأس من أن نطوع اللغة، وهي طيعة بأيدينا.
ولنأمل أن تكون اللغة الخليجية الحقوقية الجديدة خطوة تتجاوز مجرد اللغة لتكون بداية لطريق طويل في سبيل الإصلاح، أقول: لنأمل، فالمثل الألماني يقول “الأمل هو آخر ما يموت”.