إشكالات الأوطان أقرب لأمراض الإنسان لا يمكن علاجها دون التشخيص الصحيح لها من قبل الساسة والمفكرين والاعلاميين والمنظرين والمثقفين وحتى المواطنين، وواضح أن إشكالات الوطن العربي التي بدأت قبل مائة عام سبب بقائها وتفاقمها الرئيسي ولربما الوحيد هو التشخيص الخطأ المتجذر والمتكرر في الثقافة العربية المتوارثة.
***
وللتبسيط.. لو قام الشخص «أ» وتعدى على الشخص «ب» وحدث بينهما عراك، ثم تم سؤال شاهد أو مفكر أو منظر ينتمي لأمم الأرض الأخرى عن توصيفه لما حدث لأجاب بدقة بأن «أ» تعدى على «ب»، في المقابل لو تم سؤال من ينتمي إلى أمتنا وثقافتنا السائدة لأجاب ـ لا فض فوه ـ بأن هناك خناقة بين «أ» و«ب» أي انه يقفز دون دقة إلى النتائج دون البحث عن الاسباب ويساوي بحكمه غير العادل بين المتعدي والمتعدى عليه، وبالطبع تشخيص خطأ كهذا كما يحدث دائما لا يؤدي بالتبعية إلى العلاج الناجع ويمكن لنا أن نقيس هذا بما يحدث هذه الايام باليمن، على سبيل المثال لا.. الحصر!
***
لقد غفرت دول الخليج وعلى رأسها السعودية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح تآمره أعوام 90 – 91 وطمعه في الأراضي الخليجية بالتواطؤ مع المقبور صدام حسين، وتم توفير حصانة له من الغضب الشعبي ضده، ولم تمس ملياراته أو يحاسب على قتله الرئيسين الحمدي والغشمي كي يصل إلى الحكم، وتدميره اليمن بالحروب الاهلية المتتالية، كما غفرت السعودية للحوثيين هجومهم مدفوع الثمن من القذافي عام 2009 على حدودها ومنحتهم الفرصة كاملة للجلوس على طاولة مفاوضات الحوار الوطني الذي رعته الدول الخليجية، ومع ذلك قام صالح والحوثيون بالانقلاب على الحوار واحتلوا بقوة السلاح صنعاء وعزلوا القيادة الشرعية المنتخبة وبدأوا بإطلاق التصريحات الفارغة بالتعدي والاحتلال ضد السعودية، وقاموا بالهجوم على عدن حيث جرت المعارك على تخومها لا تخوم صنعاء، مما يوضح بشكل جلي من المتعدي ومن المتعدى عليه، فهل يجوز بعد ذلك مساواة الجناة ممثلين بصالح والقيادة الحوثية بالمجني عليهم ممثلين بالشرعية المنتخبة وخلفها التحالف العربي؟!
***
٭ آخر محطة: (1) – ويبلغ التضليل مداه عندما يتم التباكي على الاضرار المدعاة التي قيل إنها لحقت بضريح مؤسس الحركة الحوثية حسين الحوثي بصعدة ولا يتحدث أحد عن أن الرئيس علي صالح هو من قتل حسين الحوثي المتباكى على قبره عام 2004 ولم يسلم جثمانه لأهله إلا بعد سقوط طاغية اليمن عام 2013.
(2) – وقبل ذلك دمّر اليمن عبر 6 حروب عبثية قامت بين صالح والحوثيين ادعى صالح خلالها أن الحوثيين «عملاء» للقوى الخارجية لا أصدقاء، وادعى بالمقابل الحوثيون ان صالح «عميل»ـ لا صديق ـ لقوى الاستكبار العالمية، فبأي خانة سيضع التاريخ تحالف صالح – الحوثيين الحالي؟ هل في خانة تحالف العملاء أم في خانة خيانة الأوطان وبيع الدماء المسفوكة لأجل الأموال للقيادات والموت الرخيص للأتباع السذج؟ ولا عزاء بعد ذلك.. للأغبياء!
(3) – سيصمد وقف إطلاق النار باليمن الى حين، فقط سيتزود خلالها صالح والحوثيون بالسلاح الوفير والذخائر والمعدات عبر حدود اليمن وخاصة ليلا، لذا على طائرات التحالف وقبلها عمليات الرصد على الأرض أن تستمر وألا يتم الاعتماد على صور الاقمار الصناعية الخادعة التي أبقت في السابق حرب الخليج الاولى مستمرة لـ… ثماني سنوات!