عندما عُيّن الزميل مشاري العنجري وزيراً للعدل في حكومة 1992، كان هاجسه إصلاح مرفق القضاء بإعطائه استقلالية تامة عن السلطة التنفيذية، لكنه اصطدم بجدار لم يكن يراه في حينها من النفوذ الحكومي الذي يرفض هذه الاستقلالية ويريد ربما أن يسير القضاء في ركابه وتحت وصايته. ومع هذا، عمل ما يمكن أن يعمله، فقدَّم مشروعاً حكومياً لاستقلال السلطة القضائية، لكنه كان دون طموحه الذي يحلم به. وبالمناسبة، لا بأس من ذكر مقترحي الذي عرضته في جلسة إقرار هذا المشروع، الذي ما زلت افتخر به، عندما تقدمت بتعديل يقضي بأن يكون اختيار النائب العام من المجلس الأعلى للقضاء وليس بموافقة الحكومة، وتمت الموافقة على ذلك، مما جعلني أتفاءل أكثر وأتقدم بتشجيع من العم عبدالعزيز العدساني ـــ شافاه الله وعافاه ـــ والأخ أحمد النصار بتقديم تعديل آخر يقضي بأن يكون اختيار رئيس المجلس الأعلى للقضاء من القضاء نفسه، لكن طموحنا كان أكبر من الواقع!
لم نقف مكتوفي الأيدي، ونحن نشاهد حرص الحكومة على فرض ولايتها على القضاء، فتبنينا، عندما كنا في اللجنة التشريعية لمجلس الأمة، تأييد مقترحات السلطة القضائية بتحسين الأوضاع المعيشية لأعضائها بمنحهم مميزات مادية تساعدهم على الاكتفاء والعفاف، ونجحنا في ذلك حرصاً على استقلال سلطتهم عن الغير، ولا بد من ذكر جهود الاخوة حمد الجوعان ـــ شافاه الله تعالى ـــ وأحمد باقر وعبدالله الرومي ويعقوب حياتي في هذا الإنجاز.
اليوم يسافر الأخ الأستاذ رئيس المحكمة الدستورية إلى جمهورية مصر الشقيقة للاستفادة من خبرات الأشقاء هناك في دعم القضاء بالكويت. ومع تأكيدنا أن الخبرات المصرية كانت عصب القضاء الكويتي طوال سنوات مضت، فإننا اليوم نشاهد ونعايش تردي أوضاع القضاء هناك، ونسمع كل يوم أحكاماً غريبة ربما لا تتفق وميزان العدل والمساواة، فنحن شاهدنا كيف تتم أحيانا إدانة المجني عليه وتبرئة الجاني، وشاهدنا كيف يتم تكييف القضايا، بحيث يصبح التخابر مع «حماس» جريمة والتخابر مع الكيان الصهيوني عملاً مشروعاً، بل شاهدنا أن من قام بقتل الناس المسالمين وحرقهم تتم مكافأته بتنصيبه في اعلى المناصب، بينما من تم الانقلاب عليه ودعا إلى السلمية تتم إدانته!
شاهدنا من هرول إلى أطراف القاهرة عند المقطم وحرق مقر «الإخوان المسلمين» ونهب محتوياته وقتل ستة من حراسه يصبح هو المجني عليه، بينما يُحكم على المرشد العام لــ «الإخوان المسلمين» بالإعدام في هذه القضية؛ لأنه حرّض على العنف (!!) اليوم القضاء هناك يعيش أوضاعاً سيئة وأحكامه يتندر بها الشعب، لذلك نتمنى في هذه المرحلة على الأقل ألا نتورط بهذا النوع من القضاة الذين يحكمون ربما بما تريده السلطة، لا بما يستقر في ضمائرهم ويتفق مع أحكام الدستور والقانون!