نختلف كثيراً مع السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى، المستشار فيصل المرشد، في ما ذهب اليه من تحصين نعتقد انه مبالغ فيه للقضاء، ومن تحديد و«تضبيط» لحرية الرأي، نرى ايضا انه يتعارض وما كفله الدستور. فالسيد رئيس مجلس القضاء الاعلى يؤكد أن القضاء «يؤثر على النظام التجاري والاقتصادي للدولة وعلى الحياة العائلية». اذا كان هذا التأثير صحيحا، وهو بالمناسبة صحيح، فكيف يقيد السيد رئيس مجلس القضاء حرية الناس في نقد وتصحيح رأي وحكم من او ما يؤثر في حياتهم العامة، ما الذي بقي للناس من حرية ان كانت شؤونهم التجارية والاقتصادية والعائلية «تابوات» يحرم عليهم مناقشتها او الاعتراض على الاحكام التي تحدد علاقاتهم وتفصل شؤونهم؟ لقد اصاب السيد المستشار كبد الحقيقة، فالقضاء يتحكم تماما في الشؤون العامة، وتمتد ولايته، في واقع الحال، الى كل شيء. لهذا من باب اولى، ديموقراطيا، ان تكون احكامه وقراراته محل تمحيص ونقد ومناقشة وتصويت مباشر من قبل من يهمهم الامر. ان نقد وتناول الاحكام القضائية مثل نقد وتوضيح التشريعات، ليس هدفه فقط الاعتراض عليها او إبطال او تنفيذ مفعولها، بقدر ما هدفه خلق رأي عام حولها يحدد وجهة النظر الاجتماعية العامة منها.
ها نحن ننتقد رأي وحكم السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى نفسه، لكن مع كل التقدير والتبجيل لشخصه الكريم. ان انتقاد الاحكام القضائية يختلف تماما عن انتقاد القضاة او التشكيك في نزاهتهم. والحال كذلك تماما في حال مناقشة السياسات والقرارت الاميرية. فنحن عمليا في بعض الأحيان ننتقد سياسة الامير لأنه وفقا للدستور يمارس صلاحياته من خلال وزرائه. لكننا نفعل ذلك دون المساس بذاته التي حرم الدستور المساس بها. ولا نعتقد هنا ان السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى يسعى الى منح القاضي حصانة تتعدى الحصانة الاميرية.
السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى قرر ان «حرية الرأي ليست مطلقة، وإنما لها حدود وضوابط»، هذا يعني انها مقيدة. بينما الدستور قرر انها مكفولة، وانما حسب رأينا يحدد القانون الشروط والاوضاع التي تجري فيها ممارستها، او بالاحرى التعبير عنها، كما نصت المادة 36 من الدستور. مسؤولونا ومشرعونا وبعض قضاتنا، مع الاسف، تمادوا هنا. ومدوا ولايتهم الى حرية الرأي نفسها، يقلصونها ويحرمون ممارستها، بينما كل ما فوضهم الدستور به هو تنظيم كيفية التعبير عنها. لقد كفل الدستور حرية الرأي، اما التعبير عن هذا الرأي فهو ما ترك الدستور للمشرع تنظيمه وتضبيطه بالقانون. ان السيد المستشار يعلم قبلنا ان الدستور اولا. ولا يصح لهذا ان يقيد او يحد القانون ما وفره او اطلقه الدستور.
حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، (نشدد هنا على هذه الفاصلة)، ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او غيرهما، وذلك وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون. حرية الرأي مكفولة دستوريا.. ولو شاء المشرع الدستوري ان يترك لمجلس الامة او مجلس القضاء الاعلى او الحكومة امر تنظيمها لنص صراحة على «ينظم القانون حرية الرأي.. الخ».