المقال الأول كتبته قبل أيام مباشرة بعد مشاهدة والاستماع للقاء النائب السابق مبارك الدويلة مع قناة المجلس. وقد كان من المفروض أن ينشر يوم الخميس الماضي. لكن لسوء الحظ لم يصل الى القبس في الوقت المناسب، فكان ان صدرت صفحة اتجاهات من دونه. المقال اصبح «بايت». وانا عادة اتجاوز المقالات البايتة. لكن لحسن الحظ ايضا تم احياء مقابلة الدويلة عبر الردود القاسية من بعض مسؤولي ومواطني دولة الامارات، والضجة التي افتعلها البعض عندنا. لهذا اصبح نشر الموضوع متوافقا والاحداث، بل ضرورة بسبب الضجيج الذي اثير حوله. وهذا المقال كما كتب قبل ايام.
مطلوب توضيح من السعدون واعتراف من الدويلة
استمتعت يوم الاول من امس بمتابعة «فديوين» على الانترنت. الاول للسيد رئيس مجلس الامة السابق السيد احمد السعدون، والثاني للسيد النائب السابق مبارك الدويلة. «فديو» السعدون كان تسجيلا لحديث له في احدى الديوانيات وقد شدني اليه موضوعه. حيث انتقد السيد السعدون بعنف وبوضوح ومباشرة جميع القوى السياسية وجماعته بشكل خاص. «فديو» الدويلة كانت مقابلة في قناة المجلس. وقد شدني شكل اللقاء بشكل خاص. فقد كان المقدم محضرا وحاضرا بشكل جيد للقاء. في المقابل كانت اجابات وتوضيحات السيد الدويلة مباشرة ومثرية، وان كان لدينا عليها بعض الاعتراضات بسبب اختلاف الرؤى والمقاصد.
منذ زمن كتبنا مرارا ان جماعة المعارضة، الذين تشكلوا او شكلوا انفسهم دفاعا عن الدستور، كتبنا انهم «كلكجية»، وكذابين.. لانهم هم اول من يدوس في بطن الدستور. ويتعدى بالذات على الحريات العامة والحريات الشخصية التي كفلها. وانهم اكثر تخلفا عن ركب التقدم من قوى النظام. في الوقت الذي هم فيه ايضا اكثر عداء منها للديموقراطية وللتطور السياسي العام. السيد احمد السعدون استخدم كلمة «كلك» و«دجل» لوصف سلوك كل القوى السياسية دون ان يستثني احدا حسب قوله. واتهم الجماعات السياسية بانها مثل السلطة لا تملك الحلول او الرؤى الفاعلة لتطوير المجتمع وتحقيق الاصلاح الذي تنادي به.
في راينا هذه خطوة مهمة. ونقطة تحول كبرى في طرح السيد السعدون ومن يمثله او يتبعه. لكن لا بد من وضع هذا موضع التنفيذ. ولا بد ان يحدد لنا السيد السعدون وجماعته، بشكل واضح، موقفهم من الحريات وفهمهم لتداول السلطة ورايهم في التعددية وحق الاختلاف. لان الواضح من العمل والجدال السياسي المستمر منذ التحرير ان لدى جماعة المعارضة او جماعة السعدون فهمها الذاتي للديموقراطية وتفسيرها الخاص لمواد الدستور.
السيد مبارك الدويلة يزعم او هو بالاحرى ينفي ان يكون الاخوان في السابق او الحركة الدستورية حاليا قد تحالفوا مع السلطة. مع انه ذكر لنا في نفس المقابلة ان الشيخ سعد عرض عليه رئاسة مجلس الامة وإمداده باحد عشر صوتا لتحقيق ذلك. ايضا السيد الدويلة اعلن ان هناك «انقلابا علينا حنا كتيار اسلامي… من كل النواحي.. من كل الناس.. عدة توجهات انقلبت علينا» هذا كلام صحيح مئة في المئة. لدرجة انني شخصيا اضطررت للدفاع في اكثر من مقال عن الحركة الدستورية – طبعا مع مواصلة الاختلاف معهم-. لهذا فان السؤال الذي يطرح نفسه الان، او هذه الايام، لماذا يتشكى السيد الدويلة من هذه الانقلابات الان ولم يتشك منها من قبل.. وبالتحديد قبل وفاة الشيخ سعد؟!
لان الاخوان او الحركة الدستورية ببساطة كانت حليف وربيب السلطة منذ 1976 وحتى انفجار خلافهم مع الشيخ ناصر المحمد. طوال اكثر من ثلاثين عاما كان الاخوان المسلمون يسرحون ويمرحون في الكويت، ولم يكن هناك تيار سياسي عدا السلف ندا لهم او حتى قريبا من نفوذهم. الان هناك حرب على الاخوان.. هذه حقيقة نتلمسها ونعترف بها نحن.. وفي المقابل نتمنى ان يعترف السيد مبارك الدويلة بان هذه الحرب كانت بردا وسلاما وتعاونا وثقة قبل سنوات.
***
هذا كان ما كتبته مباشرة بعد مشاهدة المقابلة او بالاحرى «الفديوين». وواضح هنا انني لم اجد ما يثير انتباهي في مقابلة السيد الدويلة غير ما اشرت اليه. بمعنى ان الضجة المفتعلة حول «تعديه» على سمو الشيخ محمد بن زايد ليست في محلها. ربما تكون كذلك اماراتيا. لكن ليست مقبولة ولا حتى معقولة من بعض المؤسسات والافراد الكويتيين الذين بالغوا في الامر واستغلوا ما حدث للطعن اما في السيد دويلة او في مجلس الامة ورئيسه اللذين يختلفان معهما.
حتى اكون صريحا ومنسجما مع نفسي اعترف بانه لم يرق لي كيفية اشارة النائب الدويلة لسمو الشيخ محمد. فهو تغاضى عن لقب سمو كما حرص على الغاء لقب شيخ في محاولة واضحة لعدم تقديم الاحترام والواجب اللذين يتطلبهما امر الاشارة الى مسؤول في وسيلة اعلامية علنية. لكن طبعا النائب مبارك الدويلة معذور. فهو وجماعته «منقلب عليهم» من كل الجهات حسب تعبيره. خصوصا من دولة الامارات العربية التي حرمت عليه هو بالذات الدخول الى اي من اجزائها. لكن مع كل هذا فان ما ذكره النائب الدويلة لا يعد تعديا على دولة الامارات العربية المتحدة ولا حتى اهانة مقصودة لسمو ولي عهد ابو ظبي. صحيح ان الدويلة لم «يوقر» سمو ولي العهد الاماراتي. ولكن الصحيح والاصح ايضا انه لم يتعد عليه. النائب الدويلة كان يدافع عن نفسه وعن تنظيمه. وكل ما ذكره انه يعتقد انه ليس هناك مشكلة بين الاخوان ودولة الامارات.. وانما المشكلة في الشيخ محمد بن زايد..!
ربما تكون اشارة الدويلة الى ان سمو ولي عهد ابوظبي لديه مشكلة مع السنة كما زعم هي ما اثار السادة في الامارات. لكن اعتقد جازما ان الدويلة هنا كان معنيا بتلميع جماعته واستدرار العطف لهم اكثر منه معنيا باهانة الزعيم الاماراتي.
يبقى مثل ما طرحنا ان الغضبة المضرية قد تكون متفهمة ومقبولة من السادة الاماراتيين. لكن لا يمكن قبولها على الاطلاق من بعض الكويتيين الذين لهم مصلحة مباشرة وواضحة في الانتقاص اما من النائب الدويلة او من قناة مجلس الامة ورئيسه. فمثل هؤلاء كان عليهم الصمت او تناول الامر بموضوعية وحيادية اكبر.