إلى أستاذي وجاري في الصفحة، وأحد معلميّ الذين تدربت خلسة على طريقتهم في الكتابة قبل أن أنضم إلى فريقهم، وأحد القلة القليلة الباقية التي لم تغرِها المغريات، ولم تغوِها المغويات، حسن العيسى:
تحية وبعد… أبا حامد، كان بإمكاني مهاتفتك، أو الجلوس معك في المكتب أو في المقهى، وطرح هذا الموضوع عليك، ولا من شاف ولا من شمت، لكنني فضلت أن تكون مقالاتنا وسجالاتنا “بجلاجل”، وأن يسبقها “مطبلاتي” يوقظ بطبلته أهل الحي، فيسمعونها، أو يقرأونها.
أبا حامد، وعلى طريقة جبران خليل جبران، في قصيدته الشهيرة “أعطني الناي وغنِّ”، التي رددناها خلف فيروز: “… هل تخذت الغاب مثلي منزلاً دون القصور”، “… هل جلست العصر مثلي؟”، أقول: “هل اضطررت إلى الكذب مثلي على القراء لكي تخفي هوية مصدرك؟”… أنا يا أبا حامد، ومن خوفي على مصادري، أو قل خوفي على وعودي لهم بالاحتفاظ بسرية شخصياتهم، اضطررت في كل مرة إلى اختلاق سيناريو قصة، ألتف بها من خلف الجبل، كي لا يتوصل المسؤولون إلى مصادري. وأنت تعرف أن ما يهم مسؤولينا هو “من الذي سرب الخبر؟” لا ما هي صحة الخبر، وتعرف أن “عصاهم غليظة” على الأخيار ومصادر الأخبار.
أبا حامد، ليت هذه هي جريمتي الوحيدة. فأنا كاتب، كما تعرف، تأتيه اتصالات ورسائل تحمل أخباراً وأسراراً من أناس كثر، وجهات شتى، ودرجات عدة، بعضهم بدرجة وكيل وزارة، وبعضهم وكيل وزارة مساعد، أو مدير، أو رئيس قسم، أو غير ذلك… تكشف عملية سرقة، أو شبهة فساد، أو ما شابه.
ستقول: أين الجريمة هنا؟ وسأجيبك قبل أن تخفض حاجبك المندهش: الجريمة هي أن أخباراً وشبهاتٍ تصلني أحياناً عن مصدر من مصادري، وهو مصدر هام في الغالب الأعم، فأقع بين حيص وبيص (أعرف، أبا حامد، أن “حيص بيص” اسم مركب، على وزن “الأخ العقيد قائد الثورة”، لا يمكن فصل كلماته بعضها عن بعض، لكن مزاجي اليوم يميل إلى الفصل)، المهم أنني أقع في حيرة، فتنكسر رجلي، ولا أدري؛ هل أنشر الأخبار فأخسر مصدري الهام؟ أم أتكتم عليها فيستمر في غيّه وأستمر في معركتي مع ضميري؟ ولا أخفيك، أنني أحياناً أتكتم عليها فلا أنشرها. والأدهى أنني لا أمرر الخبر لزميل آخر، خشية أن يتضرر المصدر فأخسره، وتنقطع معلوماتي عن تلك الوزارة أو الجهة.
أبا حامد، قد يبدو للقارئ، وللوهلة الأولى، أنني أسوق عيوبي لأثبت أنني بلا عيوب، باستثناء هذه! وهذا ليس خطأً فقط، بل غباء بغترة وبشت. فنشر عيوبي قضية أخرى تحتاج إلى ملف آخر، قد أنشرها يوماً وأغتسل، كما يفعل المتهجد المسلم في استغفاره أثناء خلوته في الثلث الأخير من الليل، أو كما يفعل المسيحي وهو يطلب الغفران من القديس. لكن ليس في هذه المقالة بالتأكيد.
أبا حامد، أوجزها لك: هل مررت مثلي بهذه أو تلك؟ وما رأيك لو كنت في ثيابي؟… سألتك لخبرتك وصدقك ونقائك.