سامي النصف

سياسة HANDS-OFF

دخل الرئيس الأميركي رونالد ريغان التاريخ كأحد أقوى وأشهر وأكثر الرؤساء الأميركيين شعبية منذ عهد الاستقلال ويدلل على ذلك بفوزه بالرئاسة عام 84 بـ 526 صوت مندوب انتخابي مقابل 12 صوتا فقط لمنافسه الديموقراطي والتر مونديل هي أصوات مندوبي ولايته فقط، ويقول المحللون ان سبب عظمة ريغان الذي يكاد لا يحمل أي مؤهل دراسي بعكس منافسه هو استخدامه سياسة HANDS-OFF اي عدم تدخله الشخصي بقضايا الدولة ومشاريعها الكبرى وتركه القرار فيها للمختصين بعكس حقبة نائبه الرئيس جورج بوش الأب الذي اعتمد سياسة التدخل في كل شيء HANDS-ON بحكم اعتقاده انه مؤهل لذلك العمل مما أدى به الى خسارة الانتخابات عام 91 أمام منافسه الديموقراطي بيل كلينتون رغم انتصاره العسكري الباهر قبل أشهر قليلة في حرب تحرير الكويت التي كان ضحاياها هم الأقل في تاريخ الحروب الأميركية.

***

ويقوم جزء كبير من نجاح بعض دول وإماراتنا الخليجية على سياسة HANDS-OFF حيث يتاح المجال للمبرزين من أبنائهم ومن المستشارين العالميين والفرصة الكاملة لتطبيق رؤاهم وتطلعاتهم وهو نجاح ما كان له أن يتم لو أخذوا بسياسة التدخل بكل صغيرة وكبيرة، وقد تكون نهضة الكويت في حقبة ما بعد الاستقلال سببها كونها كانت السباقة في الأخذ بهذه السياسة الحكيمة والاستفادة القصوى منها.

***

وقبل امس الجمعة وأثناء تقديمي واجب العزاء لآل الهندي الكرام جلست أتبادل الحديث مع سفير خليجي صديق ومما رواه قصة كان شاهدا عليها وتستحق أن تروى حيث عرض مشروعا إنمائيا كبيرا على القيادة السياسية في بلده فأبدت القيادة بعض الملاحظات التي تمت الموافقة عليها فورا، يقول السفير ان القيادة السياسية أخبرته بأنها لم تنم تلك الليلة كونها أخذت تحاسب نفسها وتسألها لماذا تدخلت وفرضت أمرا على المختصين؟ ولم يهدأ لها بال حتى قامت صباح اليوم التالي بدعوة القائمين على ذلك المشروع والطلب منهم تنفيذه بالطريقة التي يرونها صائبة.

***

آخر محطة: (1) أول من طبّق هذه السياسة الحكيمة الداعية للاستماع لأهل الاختصاص هو رسول الأمة صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر عندما استمع لرأي خبير الحرب الصحابي الحباب بن المنذر في ضرورة تغيير موقعهم الى أدنى الماء ليبني عليه حوضا وتغور الآبار الأخرى «فنشرب ولا يشربون».

(2) ومرة أخرى في تلقيح النخل بالمدينة عندما ظن الرسول صلى الله عليه وسلم ان التلقيح لا يغني شيئا، ولما ثبت غير ذلك قال مقولته الشهيرة «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن» و«أنتم أعلم بأمور دنياكم» كما أتى في الأثر الصالح.

احمد الصراف

شكراً عجيل النشمي

“>أفتى السيد عجيل النشمي، وهو عميد شريعة سابق، ويعمل رئيساً لرابطة علماء دين دول الخليج، بـ«ضرب عنق» الفريق عبدالفتاح السيسي وزير دفاع مصر، لكونه طاغية! وسبب المطالبة يكمن في انتماء العجيل إلى فكر الإخوان المسلمين في الكويت، التابع للتنظيم العالمي، والحرقة على خسارة الإخوان لـ«عرش مصر»، الذي أضاعوه، كما أضاع حكام جهلة آخرون كراسيهم. ولكن هذا لا يعنينا، على الرغم من تأييدنا الكامل لما قام به السيسي، الذي أنقذ مصر وغيرها من شر الإخوان، أخطر حركة سياسية دينية في التاريخ الحديث. فما نود الكتابة عنه هنا يتعلق بطبيعة فتوى السيد العجيل – إن ثبتت صحتها – كدأب من سبقه من أصحاب الفكر الآحادي الكافر بحرية الرأي وبأبسط قواعد العدالة. فهو، من منطلق «علمه» لم يجد طريقة للاقتصاص ممن أوقع بجماعته الخسارة غير المطالبة بقطع رأسه! ونراه هنا يفضل استخدام السيف، بدلاً من الرصاصة أو الشنق! ويؤيد قطع الرأس، طريقة للقصاص، بدلاً من الطعن في الصدر، هكذا دون تفكير ولا مقدمات ولا حتى من خلال محاكمة شكلية! وبهذه الفتوى وغيرها يتبين مدى ظلامية وتخلف الفكر الذي لا علاقة له بالعصر ولا بمجرياته وأدواته! فمثلاً، أدولف هتلر، الذي تسبب في قتل أكثر من 60 مليون من البشر على مدى سنوات، في حرب عبثية طحنت العالم أجمع، لو تم القبض عليه حياً، للقي منه معاملة أفضل مما لقي السيسي من النشمي! على الرغم من الفارق الهائل بين ما أقدم عليه الأخير بنظر النشمي، وجرائم الأول، بنظر العالم أجمع! فحتماً لم يكن أحد سيطالب بجز رأس هتلر بالسيف، لجرائمه المخيفة في حق البشرية، بل لطالب العالم بتقديمه إلى المحاكمة لمعرفة دوافعه ومن وقف وراءه وتعاون معه، وطبيعة تفكيره، وسبب شنّه الحرب على غيره، وسبب كراهيته للأجناس البشرية، عدا الآريين. وهذا ما حصل بالفعل مع أكبر معاونيه الذين ألقي القبض عليهم، أثناء وبعد الحرب، والذين وفر لهم الحلفاء أقصى درجات الحماية القضائية. ومن هنا نجد صعوبة اقتناع معظم أتباع الفكر الديني، من إخوان وسلف، بحقيقة مضامين الحرية والعدالة في العصر الحديث، فهؤلاء ما زالوا يعيشون في القرون الوسطى، أو ما قبلها، ففكرهم الديني خلا تماماً من أدبيات المحاكمة والمقاضاة والشهود والأدلة، بل كان للحاكم، أو من يمثله من ولاة وقضاة، السلطة الكاملة لتوقيع حد القتل أو الجلد بأي كان ولأتفه الأسباب، طالما كان مقتنعاً بذلك، وهذا ما سيحدث لنا جميعاً إن وصل هؤلاء إلى الحكم، وما يحدث الآن في «الجزر الإسلامية المحررة» من العراق وأفغانستان وسوريا خير دليل!
الأمر الغريب الآخر ما كشفه الخلاف المستعر بين قوى السلف، التي تؤيد السيسي، وقوى الإخوان، التي تعارضه، والتي بيّنت أن الأمر يتعلق بمصالح الطرفين الدنيوية! فلو قام السيسي اليوم بالإفراج عن الإخوان وأعادهم إلى الحكم، ووضع السلف مكانهم، لتغيرت «قناعات» الطرفين بنسبة %100! وبالتالي، فإن اختلاف الطرفين لا يعني أن أحدهما على حق، بل على أن الطرفين على خطأ.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com