كنت “لاجئا كويتيًا في القاهرة” أيام الغزو العراقي، وبعد أن بطش بي وببلدي وهويتي “حامي البوابة الشرقية والقائد الضرورة ونائب المؤسس لحزب البعث العربي الاشتراكي، الديمقراطي الإمبيريالي الخنفشاري صدام حسين المجيد التكريتي أخذه الله أخذ عزيز مقتدر”.. سكنت في منطقة المهندسين، وهي من المناطق الجميلة والراقية بعد ان ابتدعت لنا حكومتنا الرشيدة ما يسمى بـ “الإعاشة الشهرية” إذ كنت أتسلم مبلغًا بالجنيهات المصرية ما يساوي خمسمائة دينار كويتي مطلع كل شهر، يتم تحويله إلى حسابي في بنك مصري، وكذلك عشرات الألاف من “اللاجئين الكويتيين” ضحايا ذلك البعث الذي أضاع الطريق لتحرير فلسطين فاحتل جارته العربية الصغيرة.. الكويت!! بالطبع، المبالغ المعطاة تتفاوت من أسرة صغيرة إلى أخرى كبيرة إلى أعزب إلى أشقاء بلا أسرة بعد أن تقطعت بهم السبل خلال إجازتهم بالقاهرة وأهلهم في الكويت “المحتلة” وأيضًا، تختلف عن رواتب الكويتيين “المطشرين” في بقاع الأرض مثل لندن وجنيف والسعودية والبحرين والإمارات وأميركا ودول الاتحاد الأوروبي وكأننا شعب “المليار نسمة” مع إن تعدادنا فجر الغزو العراقي لم يتعد ثلاثة أرباع المليون.. مع عمالتنا الأسيوية من سواق وخدم!! بل إن أحد الدبلوماسيين الكويتيين أخبرني بأن أسرة كويتية كانت تقضي إحازتها في “سانتياغو” عاصمة جمهورية تشيلي، والتي تقع في أقصى جنوب القارة الأميركية، فتم التواصل معهم ونقلهم على جناح السرعه إلى.. “أبوظبي”!! هذا ليس موضوعنا علي الإطلاق بل مقدمة لموضوع.. آخر!! قرب شقتي في “المهندسين” وسط القاهرة كانت هناك “سوبر ماركت” اعتدت علي شراء “الرز والخبز والخضار والحليب والكاكاو” وهذه الأخيرة جعلت البائع المصري “خفيف الدم” يقول لي: “لاجئ وبتشتري شوكولاته؟ ده إنت لاجئ عسل”!! المهم ذات يوم، بينما كنت أتبضع كالعادة وأشتري “الرز والخبز والخضار والحليب والكاكاو بكل أنواعه” – نكاية بالبائع- صادف أنني رأيت الفنان الكبير الراحل حاليًا “صلاح نظمي” وهو ينحني على “صندوق خيار” وينتقي بحرص شديد حوالي أربع أو خمس خيارات” فيضعها في الكيس ويتجه إلى البائع فيدفع ثمنها.. ويغادر!!
سألت “البائع الذي يحسدني على كوني لاجئا” عن حالة هذا الفنان القدير، فأخبرني بأنه يسكن وحيدا في شقة صغيرة مكونة من غرفة واحدة بالدور الأرضي خلف السوق المركزي، وحالته المادية لاتسمح له بشراء سوى أقل .. القليل!! تعال الآن وقارن بين حال الممثل المصري وبين الممثل الأميركي أو البريطاني أو الفرنسي!! أفقر فنان اميركي يحصل على ثلاثة ملايين دولار عن أي فيلم، والراحل “مايكل جاكسون” يحصل حاليا – وبعد وفاته – على 180 مليون دولار ثمن إعادة بيع إسطواناته!! أي أنه مازال يعمل ويربح الملايين وهو.. ميت!! المرحوم “صلاح نظمي” ليس وحده، فهناك أسماء شهيرة مثله حدث لها ذلك: “ملكة المسرح” فاطمه رشدي “وعميد الكوميديا” عبدالفتاح القصري، “وتحية كاريوكا” و”إسماعيل ياسين” و”عماد حمدي”، وغيرهم كثير!! في الشرق نحن نقتل مبدعينا وفي الغرب يحيونهم أثناء حياتهم وبعد… مماتهم!!
آخر العمود:
قول أحدهم في معن بن زائدة الشيباني:
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والجود ساحله
تــعــوّد بسط الكف حتى لو انه
اراد انـقباضًـــا لـــم تطعه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير نفسه
لــجــاد بــهــا فـلــيتق الله سائله
آخر … كلمة:
عقد اجتماع في إحدى الجمعيات لجمع مبلغ من المال لبناء سور يحيط بالمقبرة، فاعترض أحد الحاضرين قائلا لا حاجة لهذا السور لأن الذين في القبور لايستطيعون الخروج منها والذين هم خارجها لا رغبة لهم بدخولها!!