حادثة حي الحمراء بالرياض، التي ذهبت ضحيتها أم تم نحرها على يد ابنيها التوأم، بعد ان حاولا قتل والدهما وأخيهما الاكبر، يجب ألا تمر على رجال الفكر وأصحاب القرار مرور الكرام، لبشاعتها وخطورة دوافعها! عندما كنا نسمع أن شاباً من الفئة الضالة قتل ابن عمه، أو مجموعة من الشباب المنحرف فكرياً قتلوا بدم بارد قريبهم، كنا نقول انه تم غسل عقولهم، لكن ما حدث في حي الحمراء تخطى حد المعقول، وتجاوز كل الحدود، فقد نزع المجرم ثوب انسانيته، وتجرد من آدميته، ولا يمكن لأي توجيه ديني، مهما تطرّف، ان يؤثر في سلوكه، فالله تعالى يقول في محكم تنزيله، في معاملة الوالدين الكافرين المشركين: «وصاحبهما في الدنيا معروفا»، فكيف بالمسلمين اللذين قال عنهما تعالى: «فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما»؟!
كنت أتمنى ان تكون المخدرات هي السبب، لأنها تذهب العقل، وقد نجد مبرراً معقولاً يفسر كيف طاوعتهما أنفسهما على قتل والديهما، فيكون غياب العقل هو السبب، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث! وتم الاعلان ان المؤشرات انهما تابعان لتنظيم داعش الارهابي، ذلك التنظيم، الذي قلنا مرارا وتكرارا في هذه الزاوية انه ـــ برأينا ـــ صنيعة استخبارات ايرانية وبمباركة أميركية!
الذي أزعجني حقيقة هو كيف استغل التيار العلماني في الخليج هذه الحادثة، ليطعن بالدين والقرآن! نعم.. فبدلاً من ان يعطوا رأياً يعالج تداعيات الحادث، خرجوا علينا بالمحطات الفضائية يقولون ان التاريخ الاسلامي يحث على قتل من نظن انه كافر! ويستدلون بحوادث مجتزأة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم! ومع ان أي طالب مبتدئ في الفقه الاسلامي وتاريخ الخلفاء، يدرك ان تطبيق الحدود منوط فقط بولي الامر حاكم الدولة، ولا يجوز تطبيق الحدود الشرعية على المرتد وغيره من قبل الافراد، الا ان استغلالهم للحدث دل على اختلال في الفهم عندهم وتطرف في الاستنباط! فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يحسن معاملة جاره اليهودي، ويعوده في مرضه، وهو يهودي لا يصلي ولا يعترف بنبوته! وما حدث في المعارك من ولاء واضح من الصحابة لله ورسوله والمسلمين له أحكام خاصة لا تنطبق على من يعيش وسط أهله وذويه اليوم! لكن جهل بعض أدعياء الثقافة من بني علمان بالاحكام الشرعية، وضعهم في حرج عند تحليلهم لدوافع الجريمة!
ويبدو ان هذا ديدن العلمانيين في سوء استغلال الاحداث، فهاهم اليوم ينادون بالويل والثبور وعظائم الامور لأردوغان وحزبه الذي طبَّع مع الصهاينة، ومع تحفظنا على كل من يتقارب مع الصهاينة ويطبّع معهم، الا ان حماس البعض لرفض تطبيع الاتراك يجعلنا في حيرة من الامر، لاننا نعرف ان قضية فلسطين لم تعد تعنيهم، وان مفهوم الجهاد ضد اليهود سقط من أدبياتهم، وأن شعار المقاومة أصبح من اطلال الماضي، لذلك هم لم يحركوا ساكناً عندما رأوا العرب يقطعون جميع المساعدات عن غزة، بل ويساهم بعضهم في تضييق الخناق عليها باغلاق المعابر، أما عندما يكون الامر من أردوغان، فهذا اسلامي ومتهم بأنه اخونجي، لذلك تجدهم يسارعون في شن حرب اعلامية منظمة، ولعلها مدفوعة الأجر عليه، وعلى كل التيارات الاسلامية المعتدلة!