قام مجلس الأمة مؤخراً بتعديل قانون الانتخاب باتجاه “العزل السياسي”، بحرمانه بصورة دائمة وأبدية، لمن “أدينوا” بالإساءة. ومع أهمية الجدل الدائر حول تطبيق المنع على عدد من السياسيين، إلا أن ذلك البعد هو الأقل أهمية، فالقانون سيكون سيفاً مصلتاً على الجميع، وحرمان مواطنين من حقوقهم إلى الأبد.
رفض التعديل لا يعني الموافقة على الإساءة، فالأمر مشابه لما أصدره مجلس فبراير ٢٠١٢ متواطئاً مع الحكومة ضد الناس، قانون “إعدام المسيء”، فكانت حكمة صاحب السمو بالمرصاد لذلك الانحراف التشريعي، مستخدماً صلاحياته الدستورية حين رد القانون.
سادت البلاد قبل استقلالها في يونيو ١٩٦١، حالة “عزل سياسي” حسب ظروف ذاك الزمان. ففي فبراير ١٩٥٩، وعلى أثر مهرجان ثانوية الشويخ الشهير، عاقبت السلطات كل القوى السياسية، وعزلتهم سياسياً، وأبرز رموزها جاسم القطامي رحمه الله ود. أحمد الخطيب أطال الله في عمره. فكان أن جرت الاعتقالات، وأغلقت الأندية (السياسية) والصحف. ظلت حالة “الصمت السياسي” حتى الاستقلال، واشتعال أزمة الكويت بعد رفض عبدالكريم قاسم للاستقلال. وكرد فعل على تلك المطالبات، ورغبة من عبدالله السالم في الانفتاح عربياً، تشكل وفد برئاسة الشيخ جابر الأحمد الذي جاب عددا من الدول العربية، وأعد تقريراً نتجت عنه جملة من الإجراءات أحدها إعلان التوجه نحو إعداد دستور ونظام ديمقراطي.
طلب الشيخ عبدالله السالم من جاسم القطامي، رحمه الله، أن يتولى تأسيس وزارة الخارجية، فكان أول وكيل لوزارة الخارجية، فما إن صدر الدستور في نوفمبر ١٩٦٢، ونودي بأول انتخابات سنة ١٩٦٣، حتى استقال من منصبه وخاض الانتخابات. في المقابل خاض د. أحمد الخطيب انتخابات المجلس التأسيسي، ومن ثم تم انتخابه نائباً لرئيس المجلس التأسيسي، ولعب دوراً فاعلاً في صياغة الدستور.
وهكذا عندما حدثت أزمة الاستقلال تم مباشرة رفع “العزل السياسي”، تيقناً من عبدالله السالم، بأن العملية السياسية في الكويت لابد لها أن تكون توافقية، وبمشاركة الجميع، وهكذا كان. فخرجت البلاد من عنق الزجاجة وتجاوزت أزمة الاستقلال، بتماسك داخلي ملحوظ.