تصادف يوم أمس الذكرى الـ٥٥ لاستقلال الكويت. وكالعادة تمر الذكرى مرور الكرام، بلا “إحم” ولا “دستور”. ما علينا، فحديثنا عن الاستقلال وحقبته، وليس عن الحقبة الحالية، فوجه الله أبرك.
عانى الشيخ عبدالله السالم في ١٩٥٨، وهي السنة الأخيرة للحكم الملكي في العراق، من ضغوطات رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد، مستخدماً كل ما لديه من علاقات ومكانة خاصة لدى الإنكليز لضم الكويت للاتحاد الهاشمي العربي، والذي تشكل في نفس السنة من العراق والأردن. كان عبدالله السالم مطلعاً على تلك الضغوط، مدركاً تفوق نوري السعيد عليه وحظوته لدى البريطانيين. كما زاد من دواعي القلق تباين الرؤى البريطانية حول مشروع ضم الكويت. ومع أن رسائل مطمئنة كانت قد وصلت إلا أن الخوف كان منطقياً ومبرراً. وهكذا لم يكتف عبدالله السالم بتلك التطمينات، بل تحرك بفطنة عالية تجاه مصر عبدالناصر، الذي رأى في الاتحاد الهاشمي مشروعاً استعمارياً لمحاصرة الجمهورية العربية المتحدة المشكلة في نفس السنة من مصر وسورية. يضاف إلى ذلك تشكيل حلف بغداد الذي رآه عبدالناصر مرتكزاً للنفوذ الاستعماري في المنطقة، فكان أن تطابقت مصالح الكويت مع مصالح الجمهورية العربية المتحدة، يضاف إليها كيمياء شخصية إيجابية بين جمال وعبدالله. زار عبدالله السالم بغداد في ١٩٥٨، وتعرض خلالها لضغوط كبيرة من قبل مضيفيه، فأعلن حينها أنه سيغادر بغداد إلى مصر. وعبثاً حاول مضيفوه في بغداد ثنيه عن زيارة مصر. غادر بغداد للقاهرة، وعلى الرغم من أن عبدالناصر كان خارج مصر لالتزامات مسبقة، لكنه أصر على الانتظار، لتثبيت الموقف، الارتباط الاستراتيجي بمصر.
وتحت تلك الضغوط، ومحاولات عبدالله السالم تنويع خياراته، وفي تلك الأجواء الصعبة، جاءت الأخبار بسقوط النظام الملكي، وتولي عبدالكريم قاسم للسلطة فانهار حلف بغداد، وألغي فعلياً الاتحاد الهاشمي. تنفس عبدالله السالم حينها الصعداء، فكان من أوائل المهنئين بالانقلاب – ثورة ١٤ تموز. إلا أن شهر العسل ذاك كان قصيراً فلم يتجاوز ٣ سنوات وسرعان ما تفتت كالشمع تحت شمس تموز الحارقة. كانت رسالة قاسم بعد إعلان الكويت استقلالها لعبدالله السالم تشير بوضوح إلى أزمة قادمة في الأفق، كما سنرى.
وهكذا انتقلنا من دولة مستقلة ضمن اتحاد فدرالي هاشمي، إلى قضاء سليب كان تابعاً لولاية البصرة، حسب مزاعم قاسم، إلى المحافظة ١٩ في حقبة صدام. والله المستعان.