يبدو أننا نحتاج وقتاً طويلاً لاستيعاب تداعيات الاتفاق النووي الأميركي ــــ الإيراني وبنوده السرية التي ستتكشَّف لنا مع الوقت، التي منها بدأنا نفهم تفسير كثير من الأحداث التي كانت مبهمة عند معظمنا، الآن فهمنا أهداف احتلال أميركا للعراق وحل الجيش العراقي وتمكين ايران من مفاصل الدولة العراقية، الآن وجدنا تفسيراً لانسحاب الاسطول الاميركي الخامس من البحرين، وفي اليوم نفسه تحرّك رجال ايران في البحرين لإحداث البلبلة فيها، ثم جاءت ثورة الشعب المصري بالرئيس مرسي الذي كاد يُفشل المخطط الأميركي في المنطقة بمواجهة إيران في سوريا ووقف التمدد الطائفي المدعوم من الغرب، ما عجل بإسقاط الثورة بثورة مضادة ليأتي نظام ـــ برأيي ـــ يبارك ويدعم المخطط الغربي، ويمهِّد للاتفاق النووي، ولقد شاهدنا في سبتمبر 2014 كيف تمكّنت ميليشيات الحوثيين من الانقلاب على الشرعية اليمنية واحتلال صنعاء، وكيف سارعت الامم المتحدة باضفاء الشرعية على هذا الانقلاب، من خلال مندوبها لليمن بن عمر! أما في سوريا فالتخاذل الغربي الذي أعطى الضوء الأخضر لروسيا في ما بعد كان واضحاً، حيث قُتل 500 ألف شخص وشرّد الملايين لتفتح المجال لفيلقي بدر والقدس، ليفعلا في القرى والمدن السورية ما يشاءا!
الغريب أنه في يناير 2016 وفي احدى لجان الكونغرس الاميركي اتهمت فيها المملكة العربية السعودية بأنها مصدر الفكر الإرهابي (!!)، وفي فبراير من العام نفسه قررت السعودية وقف مساعداتها للجيش اللبناني نظراً الى سيطرة «حزب الله» الإرهابي عليه، وبعدها بأربع وعشرين ساعة أعلنت الولايات المتحدة دعم الجيش اللبناني بالأسلحة!
بعد ذلك تسارعت المواقف العدائية الغربية للمملكة العربية السعودية، فقررت احدى المحاكم مسؤولية المملكة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وامتلأت الصحف الاميركية المدعومة من اليهود بالمقالات التي تربط المملكة بالارهاب في تجنٍّ واضح، يدركه المحايدون، وانكشف انصياع الامم المتحدة لاميركا من خلال قرارات أممية جائرة، كان آخرها انتقاد أمينها العام للمملكة، لتحركها لإلغاء قرار ظالم يتهمها بعدم حماية الاطفال في اليمن، على حد زعمه!
اليوم انكشف الغطاء، وأصبح واضحاً أن الغرب بقيادة أميركا يسعى لاشغال الدول الخليجية في حروب استنزاف طويلة الأمد مع ايران، ما استدعى السماح للايرانيين بالتمدد في العراق وسوريا واليمن، لتحقيق أهداف المخطط الغربي الذي ينشد في نهاية المطاف أمن إسرائيل!
نعم، إن اسرائيل لا تخشى «داعش» ولا «القاعدة»، فهما منظمتان لم توجدا لمحاربتها، لكنها تخشى السلاح النووي، الذي كان واضحاً ان ايران تسعى اليه، اليوم أميركا تقول لايران لا داعي لامتلاك هذا السلاح، فسأحقق لك كل ما تريدينه من سيطرة على المنطقة وإضعاف خصومك التقليديين، لكن الأهم من كل ذلك أن تبقى اسرائيل في أمنٍ وأمان!
أميركا وأوروبا وروسيا وايران، واسرائيل، كلها تسعى الى استنزافنا في حرب مذهبية، قد تكون «حرب بسوس» القرن الجديد، ونحن ما زلنا نحارب التيار الإسلامي الوسطي والمعتدل ونكيل التهم لرموزه، وكلنا ندرك براءته من كل هذه التهم، اليوم يجب على الدول الخليجية ان تكون كتلة اسلامية مع تركيا وماليزيا وباكستان، إن أمكن، وأن تعرف من هو عدوها الحقيقي، فكيف يكون عدوها هو نفسه العدو الذي تطارده أميركا وأوروبا وايران وروسيا ونظام الأسد، والحوثي من خلفهم؟! هل يعقل ذلك؟!
اليوم السلاح الأميركي تم تصويبه نحو الخليج، فهل ننتبه الى أهمية تحديد طبيعة المعركة؟ ومن نقاتل، ومن نواجه؟ أم ما زلنا نشغل أنفسنا ونضحك على أنفسنا بتحديد خصم نقتطعه من جسدنا؟!