عندما قررنا مشاركة القوى السياسية في مقاطعة الانتخابات البرلمانية بصيغة الصوت الواحد، كنا ندرك ما نحن مقبلون عليه، فقاطعنا انتخابات المجلس المبطل الثاني في ديسمبر 2012 وقاطعنا انتخابات مجلس 2013، وقد شاركنا معظم الشعب الكويتي هذه المقاطعة!
ومنذ اليوم الأول شاركت الحركة الدستورية الإسلامية مع القوى السياسية ورموز المعارضة في جميع نشاطات الحراك الشعبي، ونسّقنا مع الجميع في كل هذه البرامج، ولم تتأخر الحركة عن المشاركة في أي نشاط تم التوافق عليه، سواء في كتلة الأغلبية أو اجتماعات «نهج» أو اللجان التنسيقية للحراك، بل لا أبالغ إن ذكرت أن «حدس» التيار الوحيد الذي لم يتخلف عن أي اجتماع أو نشاط تمت الدعوة إليه من كتلة الأغلبية أو حركة نهج!
في تاريخ الكويت السياسي الحديث مراحل من المواجهة بين السلطة والمعارضة السياسية، مثل مخالفة تشكيل الحكومة للمادة 131 من الدستور عام 1964، وتزوير مجلس 1967، وحل مجلس 1975 ومحاولة تعديل الدستور عام 1981، وحل مجلس 1985 ودواوين الاثنين عام 1989.. وغيرها، وكلها مراحل صدرت فيها مراسيم ضرورة وقرارات حكومية جائرة، رفضها الشعب الكويتي وواجهها بعدة وسائل كان الرفض العامل المشترك فيها، لذلك يُعتبر رفض المشاركة في انتخابات الصوت الواحد ليس ببدعة أو جريمة حتى نُطالب بالاعتذار منها!
معظم الشعب الكويتي قاطع الانتخابات الأخيرة. ومعظم هذا الشعب متوقع أن يشارك في الانتخابات المقبلة، فهل نطالب هذا الشعب بالاعتذار؟!
الحركة لم تخوّن أحداً من المشاركين، خصوصاً بعد حكم المحكمة بدستورية الصوت الواحد، بل لم تتحرك الحركة ورموزها ضد المشاركة، إنما انتقدنا تشكيلة المجلس ومحصلة النظام الانتخابي الجديد، واستمررنا إلى آخر يوم ننتقد أداء المجلس الذي نتمنى أن تساهم مشاركتنا في تغيير أدائه! وبالمناسبة نقول إن كان هناك من يجب عليه الاعتذار، فليكن كل من تسبب في انتشار الفساد الذي ضرب أطنابه في كل المجالات ولم نسمع منه كلمة واحدة تساهم في تحجيمه، وكل من شاهد وأيّد سحب الجناسي من النشطاء السياسيين من دون أن يقول كلمةً في حقهم! بل من عليه الاعتذار هم أولئك الذين أيّدوا حزب الشيطان وتشكيلات الحرس الثوري دون مراعاةً لمصالح بلادهم التي تضررت من هؤلاء!
يتساءل المغرّد معاذ الدويلة: «مَن مِن شباب الحراك ذكر أن «حدس» غدرت به بقرارها المشاركة في الانتخابات؟! لم نسمع أحداً ذكر ذلك!».
يظن البعض ان «حدس» لم تضحِّ كما ضحّى الآخرون! وهذا بخلاف الحقيقة، فنحن كتيار تمت محاربتنا دولياً وإقليمياً ومحلياً، وعلى جميع الجبهات، وضُيّق علينا في أرزاقنا وحُرم شبابنا من فرص عمل كثيرة كانوا أولى بها من غيرهم، وأُزيح المحسوبون علينا من مناصبهم في وزارات الأوقاف والعدل والتخطيط والتربية، واستبعد من تم ترشيحه لمنصب قيادي، بسبب انتمائه الفكري والسياسي، ومع هذا استمررنا في خطنا السياسي لم نحابِ ولم نجامل في ما نراه مصلحة عامة! بل إن بيان الحركة الذي صدر أخيراً وأعلنت فيه المشاركة حدد منهج هذه المشاركة وأهدافها وأولوياتها، وهي بلا شك مبادئ عامة وراسخة حددت الخط السياسي للحركة!
يتساءل البعض: ما دام خطكم السياسي لن يتغير، إذاً فلماذا غيرتم من المقاطعة إلى المشاركة؟!
كنا إلى آخر يوم متواصلين مع القوى السياسية والرموز التي ما زالت متمسكة بكتلة الأغلبية، إلى أن تبين للجميع أن الحراك الشعبي أصبح جسداً بلا روح! بعد أن تمكّنت الحكومة من إصابته بالشلل التام بسبب استعمالها القمع والقسوة في تعاملها مع مكوناته، فسحبت جناسي البعض، وشردت البعض، وأغلقت القنوات الفضائية، وسحبت تراخيص الصحف، وزجت برمز الحراك وشعلته ووقوده مسلم البراك في السجن، وصدرت الأحكام على المغردين من شباب الحراك، وقد حاولنا أن نعمل شيئاً لإعادة الأمور إلى نصابها من دون جدوى، فالبطش باستعمال القوة ألغى المسيرات السلمية، ونشأت كرد فعل مسيرات غير سلمية بغير رضانا، لكنها أيضاً قوبلت بالقوة فتم تشتيتها، وحاولنا التواصل مع أصحاب القرار الحكومي لتخفيف أثر هذه القرارات الجائرة، لكن كانت الأبواب أمامنا موصدة! ولم نجد متوفّراً لنا إلا الجانب الإعلامي المقيد بقيود المرئي والمسموع، وعبّرنا فيه عما نريد، ولكن لم يستمع إلينا أحد! في المقابل، كان «مجلس بوصوت» بتشكيلته الحالية يساهم في إقرار قوانين جائرة، ويسكت عن تجاوزات مالية وإخلاقية وإدارية يندى لها الجبين!
لقد استمرت الحركة الدستورية الإسلامية إلى آخر لحظة مشاركة للمعارضة في كل اجتماعاتها، على أمل أن تجد ثقباً للأمل يحرك المياه الراكدة ولكن..! عندها رأينا أن أسلوب المقاطعة ـــ وإن حقق أهدافه في مرحلة سابقة ـــ فإنه اليوم أصبح حجر عثرة في إصلاح ما يمكن إصلاحه!
نعم، قد نعجز عن تحقيق كل ما نريد من المشاركة، لكن وبلا شك أفضل بكثير من الاستمرار في الجلوس ومشاهدة هذا الانحدار في كل المجالات ونحن لا نستطيع عمل شيء بحجة أننا مقاطعون!
إننا نعتقد أننا نمارس اليوم وسيلة جديدة في العمل السياسي للإصلاح السياسي والاقتصادي للبلد، ونشكر كل من شجعنا على اتخاذ هذه الخطوة، وكذلك الشكر موصول لكل من انتقدنا بأدب ورقي، صحيح أن معظم من رفض مشاركتنا هم خصومنا السياسيون الذين انزعجوا من مزاحمتنا لهم في العملية الديموقراطية المقبلة، ولكن حتى هؤلاء نقول لهم شكراً؛ فقد تحملناكم طوال عقود من الصراع السياسي ولن يضركم أن تتحملونا في المقبل من الأيام.
نحن أيها الناس لم نخن وطننا، ولم نتعاون مع أعدائه، كل ما قررناه أن نشارك في العملية السياسية من جديد، وبأهداف معلنة ورموز معروفة وبرامج مقروءة!
هذه كل الحكاية، فأنصفونا معشر النقاد!