كنت أحرك الريموت كنترول بين المحطات حين استقرت الشاشة على برنامج صدى الملاعب مع مصطفى الأغا على mbc. كان المراسلون يتنقلون في مواقع الملاعب. السعودية تحتفل بكأس الملك بين الأهلي والنصر بحضور الملك سلمان في استاد الجوهرة في جدة، وتبدو المشاعر لا محدودة بين شاشة التلفزيون و”تويتر” وبقية السوشيال ميديا. وهو بلا شك انعكاس للواقع، والمراسل الحيوي على الشاشة ينقل الشغف الحي للجماهير غناء وبهجة، لدرجة تشعر بمدى ارتفاع منسوب الأدرينالين في الجو بين شباب وكبار وصغار. حتى أن النشيد الوطني الذي أداه الثنائي راشد الماجد ورابح صقر أمام الملك كان وطنيا مؤثرا. وكوني امرأة بالطبع لم أشهد ذلك بحضور حي داخل الوطن، لكنني أستشعر هذا الصخب السعيد افتراضيا تماما كما ملاعب نيويورك ولندن ومدريد وريو دي جانيرو.. إلخ.
وانتقل المشهد في البرنامج إلى نهائي كأس رئيس الدولة في الإمارات والشيخ محمد بن راشد يتوج الفريق الفائز ببهجة عظيمة. ومن ثم لنهائي كأس العراق الذي حضره أكثر من 30 ألفا بغناء وسعادة غامرة، على الأقل هذا ما ظهر على الشاشة، بينما القصف يعصف بالفلوجة والبلد يخوض صراعاته الطائفية المريرة بقيادة المايسترو الإيراني. وهذا يذكر بفوز المنتخب العراقي لكرة القدم بلقب بطل آسيا في 2009، والذي أخذ بعدا سياسيا وإنسانيا، حتى قال الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر “إن الإنجاز الذي حققه المنتخب العراقي بفوزه ببطولة آسيا يوضح أن كرة القدم لها قدرة كبيرة على توحيد الناس، فهي تعزز المشاعر الوطنية لأناس عانوا الحروب الطائفية لأعوام طويلة”.
كنت أتابع وينتابني ذلك الشعور الذي يقول لولا كرة القدم لتحول العالم إلى مكان بغيض، كرة القدم هي الحل.. هي التي تراجعت أمامها كل فصول الحروب والعقائد. فالعقيدة في البرازيل هي كرة القدم، وهي القوة الناعمة لدولة تحظى بسمعة عظيمة بسبب منتخبها-ثروتها- الوطني. ويقول راقصو السامبا على بوابة المطار في ريو: إذا زرت البرازيل ولم تدخل ملعب ماراكانا، كأنك زرت إيطاليا ولم تدخل الفاتيكان. وكرة القدم ليست عقيدة فحسب بل عملية اجتماعية سياسية اقتصادية كبرى. وفي جنوب إفريقيا حيث كنت قبل سنوات، كانت شاكيرا تصدح في شوارع المدن بأغنية المونديال الذي استضافته البلاد، وكان شعورا وطنيا عارما للشعب. وبفوز هولندا في مونديال 2010 أيضا شهدت الهولنديين باللون البرتقالي يرمون أنفسهم في النهر في حالة فرح هيستيرية. وتغطيات الصحف البريطانية لكأس السوبر في لندن أخيرا بين النصر والهلال في لندن أضافت حضورا رائعا للبلاد، والسعوديون يغنون في ملعب لوفتس رود.
وإذا كانت كرة القدم عكست العلاقة السياسية والشعبية الودية بين الإمارات والسعودية في منتخبيهما في تصفيات كأس الأمم الآسيوية وكأس العالم، فقد كانت سببا فى توتر العلاقات بين مصر والجزائر قبل سنوات. وفي إيران، كان فوز الفريق الأحوازي على فريق أصفهان في نهائي أندية إيران فوزا له رمزية سياسية لدى الأحوازيين، ولطالما كان نادي كرة القدم تراكتور سازي في تبريز، رمز العرقية الأذرية التي ليست على وفاق مع إيران، وسيلة للمظاهرات المطالبة باندماجهم ومنطقتهم مع أذربيجان. كرة القدم قوة سياسية في التحشيد والمظاهرات والاحتجاجات، كما هي قوة ناعمة ودبلوماسية للتخفيف من حدة الاحتقانات بين الشعوب وحوار الحضارات والعلاقات الدولية وتعزيز الوحدة الوطنية، والشعور الوطني العام.