يقال إن الباشا نوري السعيد، السياسي العراقي الراحل، حاول كثيرا، عندما كان رئيسا للوزراء، إقناع مجلس الإعمار العراقي، الذي كان يتمتع بسلطة مستقلة في زمن الملكية، تخصيص ميزانية لبناء دورات مياه في العاصمة، التي كانت في الخمسينات، ولا تزال، بعد 60 عاما، تفتقد تلك الخدمات بشكل رهيب، ولكن المجلس كانت له أولوياته الأخرى.
بعدها بفترة قام الباشا بدعوة أعضاء مجلس الإعمار، وخليط آخر من السياسيين، لوليمة في بيته، وأكرمهم بتقديم مختلف أنواع الشراب، لهم. وقام في الوقت نفسه بتأخير العشاء ليكثروا من الشراب، وكان طبيعيا اضطرار الضيوف بعد فترة للجوء إلى دورة المياه لتفريغ مثاناتهم، ولكن غالبيتهم كانوا يعودون لأماكنهم من دون قضاء حاجتهم، بسبب الضغط المستمر على استعمال المرحاض الوحيد. وعندما طال انتظار هؤلاء واستمرار طابور الانتظار، ومع ارتفاع اصوات الاحتجاج، ذهب رئيس مجلس الإعمار إلى الباشا، متوسلاً منه السماح للبعض باستخدام حمامه الخاص، بعد أن بلغ الضيق والاحراج مبلغهما معهم! وهنا ضحك الباشا من الطلب، وقال لرئيس المجلس بسخرية ان يطلب من الأعضاء أن يدبروا حالهم، فقد سبق أن طالب هؤلاء أنفسهم من عشرات آلاف سكان العاصمة، من المحتاجين لوجود حمامات في العاصمة أن «يدبروا حالهم» من غير مراحيض، فهل عرفتم الآن أهميتها؟! وهنا عرف الجميع مغزى رسالة الباشا، الذي عاد وفتح جميع الحمامات لهم، وعادوا في اليوم التالي وأقروا طلبه، ولكن انقلاب قاسم العسكري، قضى على أحلام الباشا!
نكتب ذلك بمناسبة التصريح الذي صدر عن أمين عام مجلس التخطيط الذي ذكر فيه أن الكويت ستقوم بصرف 125 مليار دولار لتطوير الجزر الكويتية مع عام 2030، وهو تصريح قريب من «اقبض من دبش»! فالسيد الأمين لن يكون أمينا حينها ليحاسبه أحد على تصريحه، ولكننا نتمنى أن يكون ما قاله حقيقة وأمرا جادا.. ولكن، أليس من الغريب أن تكون لدى أمين المجلس القدرة والعزم ليعلن عن خطط لصرف المليارات على تطوير جزر تبعد عن قلب العاصمة، بمئات الكيلو مترات، ولا أحد في المجلس والحكومة، اللذين لا تبعد مبانيهما عن قلب العاصمة بأكثر من مئات الأمتار، يفكر منذ نصف قرن على الأقل في بناء دورات مياه، حتى نصف لائقة، في قلب عاصمة الدولة قبل عام 2030؟
كيف قبل أعضاء المجلس، والحكومة أن تمتلئ مبانيهم بمئات الحمامات الرائعة والنظيفة، لبضع مئات من الموظفين، في الوقت الذي لا توجد فيه دورة مياه واحدة نظيفة على بعد أمتار منهم؟!
لقد عرضت وغيري أكثر من مرة على الحكومة الموقرة، وفي أكثر من مقال ومناسبة، أن نتولى أمر بناء حمامات عصرية ونزودها بكل احتياجاتها والقيام على خدمتها، مجانا، ولم نطلب مقابل ذلك غير تحديد مواقعها، وتوفير الكهرباء والمياه لها، ولا نزال بالانتظار!
ولكن يبدو ـــ كالعادة ـــ أننا لن نسمع من الحكومة الموقّرة، المشغولة بأسماك التونة، شيئاً!