في سبتمبر 2014، وعندما كان «داعش» في بداية صعوده الهمجي، صرّح راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس بأنه ضد أي تدخل أجنبي لضربه، وأن تونس، التي كان شبه حاكم لها في حينه، ترحب بقيادات الإخوان المسلمين الذين يرغبون في الإقامة فيها. وقال إن الحل الأمني لا ينفع مع «داعش»، بل علينا أولاً محاربة الاستبداد والدكتاتورية، وترك «داعش» لحاله! كما كانت للغنوشي مواقف متطرفة أخرى كثيرة، وتشدد تجاه قضايا حيوية، ولكن منذ يومها مرت مياه كثيرة تحت الجسر، خصوصاً بعد أن فقد شبه هيمنته على تونس، أو اختار التخلي عنها لمصلحة وطنه، أو ربما أجبر على الدخول في تحالف مع الأحزاب الأخرى، من علمانية ويسارية وغيرها، لتأسيس ديموقراطية وطنية في وطن كادت الأحزاب الدينية تحرقه بتطرفها. وأياً كان الأمر، فإن شيئاً ما حدث، بحيث تحوّلت ولاءات الغنوشي من الإخوان إلى ما يشبه الخروج عليهم بعد أن تعلم من الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها حركتهم في مصر وسوريا بالذات. وبالتالي، لم يكن غريباً ما أعلنه قبل أيام، وبشكل رسمي (القبس 22 مايو)، انفصال نشاط «النهضة» السياسي عن الديني، وهذا اعتراف منه بخطأ كل ممارساتهم السابقة في الحكم، وتكفيرهم لغيرهم من اليساريين والعلمانيين. وقال في المؤتمر العاشر للحركة إنه من الضروري النأي بالدين عن السياسة، والتحييد الكامل للمساجد، وإبعادها عن الخصومات والمعارك السياسية. وقال إن حركة النهضة تطورت، خلال أكثر من أربعين عاماً، من حركة عقدية إلى حزب ديموقراطي وطني بمرجعية وطنية تنهل من الدين.
وفي جانب آخر، رحّب رئيس الجمهورية التونسي بتحول النهضة عن تطرفها، وفك تحالفها مع التنظيم الدولي للإخوان، وتحولها إلى تنظيم وطني يضع تونس أولاً، وفوق أي اعتبار، والتخلي عن احتكار تمثيل الدين، كما يفعل السفهاء لدينا. وبالتالي، أصبحت حركة النهضة لا تشكّل خطراً على الديموقراطية، في إشارة واضحة إلى خطورة أحزاب الإخوان المسلمين، بشكل خاص، والأحزاب الدينية عموماً، على النظام الديموقراطي.
من الواضح أن الغنوشي تعلم من الأخطاء الرهيبة، أو الجرائم، التي ارتكبتها حركة الإخوان المسلمين، والتي أوصلت المنطقة إلى ما تعانيه اليوم من ويلات ومشاكل، وبالذات جرائمهم ومحاولاتهم المستميتة لإسقاط النظام في مصر، وكيف تحالف الإخوان مع أكثر قوى الإرهاب خطورة وشراً لـ«استعادة» حكم مصر، فدمروا اقتصادها، وهجّروا أهلها، وخرّبوا سلامها.
ويرى بعض المراقبين للمشهد التونسي أن حركة حزب النهضة يتجاوز من حيث الأهمية جغرافية تونس، وأنه سيؤثر حتماً على مواقف حركات الإسلام السياسي الأخرى. وهنا، نتمنى على العقلاء في حركة الإخوان المسلمين، ولا مجال لمخاطبة السفهاء، بالاقتداء بثورة الغنوشي السلمية والتخلي، علناً وصدقاً، عن تحالفهم مع التنظيم العالمي الشرير للإخوان المسلمين، وأن يعودوا إلى حضن وطنهم، الكويت.