كان ينبغي على صديق خان أن يذهب إلى قصر باكنجهام لأداء اليمين، كعمدة لندن المنتخب الجديد، في حضرة الملكة إليزابيث، حين سُئِل: على أي كتاب مقدس (إنجيل/ أي عهد) تفضل أن تقسم غدا؟، فقال: أنا مسلم وأريد أن أقسم على القرآن.. وقيل له أن يحضر معه القرآن في اليوم التالي لأنه غير متوافر في القصر.. فهو أول مسلم يقسم في حضرة الملكة. أحضر خان القرآن وأقسم، وحين هم بالمغادرة أعيد إليه مجددا فقال: أود أن أتركه معكم، للشخص القادم!
رغم الرمزية، إلا أن ديانة خان لا شك تخصه وحده، وعمله المدني أمر آخر فقد تعهد خان بجعل لندن أكثر أمانا باعتماد شرطة الأحياء في مواجهة عصابات وجرائم الأسلحة البيضاء، وتشديد العقوبات على حامليها وتمديد فترة السجن لمثل هذه الأنشطة الإجرامية، وأقل تلوثا، وأسعار سكنى أقل، وخطوط وشبكة مواصلات أكثر أريحية، والأهم خطة لمواجهة التطرف، هو الذي سبق وصرح بعد وقوع هجمات باريس في العام الماضي أن “المسلمين لهم دور خاص” في مواجهة الإرهاب.. لأننا يمكن أن نكون أكثر فعالية في مواجهة التطرف من أي شخص آخر”.
وفي الوقت الذي اختار فيه اللندنيون شخصية مسلمة عمدة للمدينة، شهدت عواصم أوروبية أخرى صعودا للأحزاب اليمينية في الانتخابات المحلية. وهذا يعود إلى عوامل طبيعية وعلى رأسها تزايد الهجمات الإرهابية أخيرا. لذا فقد أصبح استغلال المرشحين لخوف وعواطف الجماهير باللعب على وتر الأمن ورقة رابحة.. كذلك بالنسبة للمرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب. وقد حذر الأمين العام لمجلس أوروبا “ثوربيورن ياجلاند” أخيرا من أن الديمقراطية مهددة بسبب تصاعد النزعة الشعبوية والقومية في أوروبا. ولا عجب في ذلك فالنزعة القومية تصل ذروتها مع عوامل الخوف ومهددات الأمن والحروب. وقد تحمل صيغة تبدو إيجابية مؤقتا إلا أن تبعاتها جد خطيرة على المدى الأبعد.
وقد سبق خان، هو الذي كان وزيرا في عهد رئيس الوزراء السابق جوردون براون، حصول مسلمين على مناصب وزارية في دول غربية. كما سبق لسكان مدينة “روتردام” الهولندية أن انتخبوا أحمد أبو طالب المغربي الأصل كعمدة لمدينتهم. وكثيرا ما يقال إن عمدة لندن هو رئيس الوزراء القادم، فهل يصبح خان كذلك؟. ليس مستبعدا. اللافت أن المرشح المهاجر الفقير خان، سحق غريمه الملياردير زاك جولدسميث، وحصل خان على أكثر من 1.3 مليون صوت في الانتخابات.. وقد قيل بأنه فوز غير مسبوق من قبل لأي سياسي في تاريخ بريطانيا. وهذه العدالة الاجتماعية ولا شك تحسب للديمقراطية الغربية والإنجليزية على الأخص، هي التي اختارت الانتصار على الخوف كخطوة حيوية. وبطبيعة الحال يكتسب فوز خان أهمية عالمية كشخصية رمزية مهمة، فانتخابه بمثابة توبيخ للمتطرفين من كل التوجهات هم الذين قد يرون أن الأديان لا يمكن لها أن تتعايش سلميا. إن الأمر يمثل دعوة للتقدم نحو الاندماج والتكامل والهوية العالمية.