تعد المشاركة السياسية الوسيلة الوحيدة للافراد لممارسة السيادة والسلطة في الدول الديموقراطية، وتشتمل المشاركة السياسية على عدة صور منها، الاهتمام بالشؤون العامة ومناقشة القضايا السياسية والانضمام للتجمعات والاحزاب السياسية وتقديم الدعم للحملات الانتخابية.
وأهم وسيلة للمشاركة السياسية وأكثرها وضوحا وشيوعا هي التصويت بالانتخابات، وفيه يختار المواطنون من ينوب عنهم في ممارسة السيادة.
والسيادة هي السلطة العليا، حدد دستور الكويت مصدرها وهو الشعب، إلا أنه قيد ممارستها وفقا لأحكامه.
فالدستور الكويتي نص في مادته السادسة على أن «نظام الحكم في الكويت ديموقراطي السيادة فيه للامة مصدر السلطات» ونص أيضا وفي نفس المادة على أن «تكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور».
تبقى الانتخابات هي وسيلتنا في ممارسة السيادة ولا وسيلة غيرها، ومهما نختلف حول قانون الصوت الواحد يبق قانونا دستوريا، فقد صدر وفق أحكام الدستور كما بينت المحكمة الدستورية، وواقعيا يمثل الطريق الوحيد للتعبير عن إرادة الامة.
وكما ان الانتخاب حق للافراد فإن الامتناع عن ممارسته أيضا من حقوق الافراد، ويكون الامتناع عن الانتخاب أو الترشح أحيانا وسيلة للاعتراض السياسي السلمي، كما حدث في انتخابات ديسمبر ٢٠١٢.
والسؤال الكبير للمعارضة الكويتية: ما النتائج التي تحققت من وراء «مقاطعة الانتخابات»؟!
هل تغير قانون الانتخاب – هل تحسنت السياسات العامة؟! وهل بالفعل كانت هناك حالة مقاطعة للانتخابات؟!
فلو استعرضنا نسبة المشاركة في الانتخابات بالكويت في الـ 7 انتخابات الماضية فسنجدها كالتالي: انتخابات 2003 (80%)، انتخابات 2006 (77%)، انتخابات 2008 (60%)، انتخابات 2009 (58%)، انتخابات فبراير 2012 (59.5%)، انتخابات ديسمبر 2012 (40.3%)، واخيرا انتخابات 2013 (51.9%).
يلاحظ الانخفاض المستمر في نسبة المشاركة بالانتخابات منذ 2003 وحتى 2012.
نأتي إلى انتخابات الصوت الواحد (ديسمبر 2012) والتي عقدت في ظل مقاطعة انتخابية وكانت نسبة المشاركة الانتخابية فيها (40.3%) والبعض يقدرها بـ (39.7%)، وفي كل الاحوال لو قارنا نسبة المشاركة فيها بنسبة الانتخابات التي سبقتها فبراير 2012 (59.5%)، فسنجد الاختلاف بينهما بحوالي 20% فقط وهي نسبة عادية ولا تخرج عن سياق الانخفاض المستمر المألوف في نسبة المشاركة في الانتخابات، خصوصا ان نسبة 20% كاختلاف في نسب المشاركة في الانتخابات سبق أن تحققت لو قارنا ما بين انتخابات 2003 (80%) وانتخابات فبراير 2012 (51.9%)، بالرغم من انها جرت في أجواء ساخنة سياسيا وانتجت الاغلبية البرلمانية المعارضة!
وفي كل الاحوال، عادت نسبة المشاركة في الانتخابات لترتفع مرة اخرى في الانتخابات الاخيرة بـ 2013 محققة نسبة (51.9%).
كما أوضحنا بالارقام، لم تحقق حملة مقاطعة الانتخابات نسبة مقاطعة عالية بالمرة الاولى في ديسمبر 2012، كما ان عودة الارتفاع بالمشاركة في الانتخابات الاخيرة 2013 تؤكد على انتفاء الجزء الاكبر من المقاطعة.
كانت المقاطعة تهدف إلى رفع الشرعية عن الانتخابات وإحراج السلطة وهذا الشيء لم يتحقق، بدليل تحصين مرسوم الانتخابات من المحكمة الدستورية والمشاركة الشعبية في الانتخابات.
ختاما – ان بقاء سياسة المقاطعة للانتخابات اصبح خيارا شخصيا ومبدئيا وليس خيارا سياسيا، فالسياسي هو من يتعامل مع الواقع السياسي ويحاول تغييره، بينما يكتفي الاشخاص العاديون بالمواقف المبدئية والشخصية دون التأثير بالواقع السياسي.
هناك سوابق سياسية ودستورية في تجربتنا الديموقراطية يجب ان نستفيد منها، فمجلس 1975 تم حله حلا غير دستوري، وفي 1981 جرت الانتخابات وفق مرسوم اميري غير الدوائر الانتخابية من 10 دوائر الى 25، وتعامل السياسيون آنذاك مع الواقع السياسي الجديد ولم يقاطعوا الانتخابات، وفي عام 2006 استطاع مجلس الأمة تغيير قانون الـ ٢٥ بإقراره قانون الدوائر الانتخابية الخمس.
خلاصة: يصبح الامتناع عن التصويت بالانتخابات خيارا سياسيا عندما يكون الامتناع مؤثرا، وتكون المشاركة في الانتخابات، بالرغم مما يشوبها من شوائب، «واجبة» عندما تكون هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لممارسة سلطة الشعب.