ليحزن أهل وأصدقاء حمد الجوعان على رحيله، فهذا حزن شخصي على “فقد” قريب كان حياً، ثم مات بعد معاناة طويلة، ولعل حزنهم قبل ذلك كان أعظم حين كانوا يشاهدونه يتألم ويتعذب، ولم يكن بإمكانهم أن يصنعوا له شيئاً، فرصاصة الغدر التي شلت جسده في ثاني يوم من فرح التحرير لا يمكن محو آثارها، مثلما لا يمكن أن نمحو ذكراه بعد أن نقش اسمه عميقاً في تاريخ هذا الوطن.
حزننا اليوم، ليس على رحيل إنسان، فكل حي في النهاية يترك بصمة في المكان ويرحل مع الزمان. حزننا هو أسانا على ذلك الزمن الذي رحل وشغل في ثناياه حمد حيزاً كبيراً من لحظاته السريعة ثم تركه.
هو حنين ونستولجيا ذكرياتنا عن زمن حمد، حنين لإنسان أخذ واجبه بجدية، سواء كان ذلك الواجب متمثلاً في مراحل تأسيس مؤسسة التأمينات الاجتماعية بتوجيه من الأمير الراحل جابر الأحمد، أو بعد ذلك حين تولى شرف النيابة في مجلسي 85 و92، كان في الأول يقف ويحاسب السلطة ويستجوب وينبش في ملفات خطيرة مثل أوراق البنك المركزي، وفي الآخر لم يكن يستطيع الوقوف بجسده، ولكنه كان واقفاً بضمير حي.
حزننا يجب ألا يكون “شخصياً” مثلما هو حزن أهل حمد وأصدقائه، بل هو، الآن، حزن عام، أو يفترض أن يكون عاماً لفقد زمن قيم النزاهة وشرف الواجب، عندنا حنين إلى زمن أسست فيه التأمينات، ثم لنحزن في ما بعد على من جثم فوق صدر التأمينات ليجني منها ثروات هائلة لشخصه حسب المواصفات المعتادة للوظيفة القيادية، نحزن على ضياع زمن البناء بالأمس في أيام حمد، لنشهد زمن الدمار بعده.
عندنا حنين إلى ذكرى تلك الأيام التي وقف فيها حمد بالمجلسين 85 و92 يراقب بجدية وشجاعة أداء السلطة التنفيذية في قضية المال العام، وهي قضية الدولة في الأمس واليوم، لنغرق بعدها بأسى إيداعات وتحويلات ثقافة “كبت أمي” وسلطان نواب أولويات الدعوة إلى مستشفيات طبيبات مسلمات حتى لا تكشف عورات المسلمات على كفار الطب!
نحزن على ضياع زمن الجدية الذي مثّله حمد الجوعان، وقام معه وبعده مخلصون حاولوا الإصلاح، فانتهوا في السجون أو بالملاحقات القانونية، ونغضب بعد ذلك حين نغرق في زمن التفاهة والانتهازية مع فرسان استثمار مشاعر الجهل واللامبالاة لغد مخيف.
حزن ثقيل يضغط بشدة على ذواتنا، هو في حقيقته أسى كبير، على ضياع زمن حمد وما مثله ذلك الزمن، بينما نحيا الآن بزمن “الرؤوس نامت والعصاعص قامت”… فقد رحل رأس وتصدر مكانه على خشبة مشهدنا السياسي أذناب بائسون.