معركة المشاركة أو المقاطعة في الانتخابات المقبلة بلا معنى، والنقاش حولها مثل الجدل بشأن جنس الملائكة، فبصورة مجملة، سواء شارك بعض المعارضين من النواب السابقين أو استمروا في نهج المقاطعة، فالنتيجة واحدة، وهي أن شيوخنا، الله يحفظهم، سيظلون يمسكون بمفاصل الدولة، وكلمتهم هي الفاصلة في الصغيرة والكبيرة، ويبقى النواب، إن كانوا من المعارضين الجديين، هم من يدق أجراس التنبيه والتحذير في أحسن الأحوال إذا حدث تجاوز ما (وما أكثر تلك التجاوزات)، لكن أكثر من ذلك لا يمكنهم أن يصنعوا شيئاً، ولن يمكنهم تغيير مسار القرار السياسي في أحسن الأحوال أو أسوأها، وهذا وضع طبيعي في الديمقراطية الصورية وتحت مظلة الدساتير الورقية.
لكن الداعين للمشاركة يقولون: “العوض ولا القطيعة”، وإذا وصل صوت أو صوتان أو أكثر لمجلس المشيخة، فمن باب أضعف الإيمان يصبح من الممكن توعية الناس ولفت انتباههم إلى مسائل خطيرة قد تحدث، فهذا المجلس الحالي، الكامل الدسم الحكومي، لم ينطق أكثرية نوابه بكلمة حاسمة عن مسائل كثيرة، من تجاوزات أو هدر مالي أو فساد مستحكم في الإدارات العامة، إلى انتهاك حقوق وحريات الأفراد وقمع الرأي الآخر، والكويت تكاد تحيا في أظلم أيامها، إذا استثنينا الفترة من 86 إلى مجلس 92.
أيضاً يضيف هؤلاء أنه لم تعد هناك جدوى من المقاطعة، فالمعارضة تفتتت أوصالها، فلا يوجد نهج فكري يجمعها، ولم يتفق رموزها على خطة عمل كي يسيروا عليها، والشارع الذي كان يتحرك خلفها ويدفعها، إما أنه تحت حراب سحب الجناسي وقطع الأرزاق، أو تم إلهاء عدد من أصحاب الكلمة فيه بالعطايا والهدايا، وهي السياسة الوحيدة التي تجيدها هذه السلطة وكل سلطة أخرى في ظرفها، بكلام ثان، سياسة العصا والجزرة نجحت بامتياز، وفي كل الأحوال، كانت تلك الأيام الخوالي للربيع العربي، وتم بدولة شقيقة إجهاضه بعودة القوى القديمة الحاكمة بشكل جديد ولكن بفسادها وبطشها، وانعكس هذا على وضع الكويت.
المعارضون، بدورهم يتساءلون عن جدوى المشاركة بالمجلس، إن كان “هذا سيفوه وهذي خلاجينه” (حكمة تراثية أكررها بملل وبدون ملل) ومشاركتنا باتفاقنا على مرسوم الصوت الواحد، لن تنفع، وستضر، حين نسبغ الشرعية الدستورية والسياسية عليه، بصرف النظر عما قالته المحكمة الدستورية بشرعية المرسوم. ويضيف المعارضون للمشاركة، والمقصود بهم هؤلاء الذين لهم فرص حقيقية بالفوز فيما لو شاركوا، أن مشاركتنا لو حدثت، فستكون غير ذات جدوى، فهي في النهاية، مثل الأذان في مالطا.
يرد المؤيدون بأن عدم المشاركة سيترك الأمور على “حطة إيدكم” وأنتم تعرفونها جيداً، فهناك قوى نافذة في القرار السياسي يهمها عدم مشاركة أصوات قوية قد تزيح أو تضعف هذه القوى، ولذلك، لا تتردد الأصوات الإعلامية التابعة لتلك القوى المالية والسياسية النافذة، بالدعوة الضمنية إلى عدم المشاركة، كي يصفو لها الجو… ومن يتابع جرائدنا الملونة بمضامينها الخاوية وشكلها الباهت، يدرك ذلك… فما العمل مع فرق “خلونا على حالنا”؟ فعندهم الآن الجو صاف وجميل مع حملة الأختام، فلماذا تعكرون الأيام؟!
لنختم ونكرر أنه لا جدوى من النقاش حول “مع أو ضد” المشاركة، فكل هذا الجدل يتناسى أن الكويت، ومن في حكمها الخليجي، تواجه تحديات خطيرة، بانهيار عمر وأحلام النفط، تقريباً، ونهاية “البندروسا” التي استمرت من بداية خمسينيات القرن الماضي، ومع هذه النهاية، وبداية عصر المعاناة ستفرض حركة التاريخ حكمها على إدارة دولنا ونهجها السياسي، ولن تمكن إدارة الدول بذات النهج والأدوات القديمة، فليدرك أهل الشأن هذا، فإذا فات الفوت فلن ينفع الصوت.