كلما زاد عنف الإنسان وشراسته دلَّ ذلك على خوف يعشش داخله.
الإنسان العنيف، الذي يقتل ويعذب أشخاصاً لا يعرفهم هو إنسان خائف، وللتعبير عن ذلك الخوف يستسهل كراهية وتصفية الآخر، ويبحث عن مبررات ذلك العنف لاحقاً، فهي دينية حيناً، وعرقية حيناً آخر، وطائفية ولغوية وغير ذلك أحياناً أخرى.
الخوف يدفع القطة لتقاتل ما هو أقوى منها إذا حوصرت في زاوية. خوف القطة مبرر، بإحساسها الفطري دفاعاً عن نفسها أمام تهديد مباشر مادي واضح، غير متخيل.
“الانتصار على الخوف” كانت العبارة التي تفوه بها صادق خان حين إعلان فوزه كأول عمدة مسلم لأكبر مدينة عالمية وهي لندن.
خلال الأشهر الماضية، كنت أرقب ظاهرة صادق خان، وهي تنمو في إطار الحملة الانتخابية، وتكبر شيئاً فشيئاً في تحديها للخوف المنتشر في الأجواء المسمومة. ظاهرة خان ومن قبله أوباما، تتجاوز بكثير الشق السياسي، وأهمية فوز صادق خان أنها تعيد مجدداً الأمل في أن البشر بإمكانهم أن يتعايشوا ويقللوا من كمية خوف بعضهم من بعض.
لم يهبط خان على الترشح بالبراشوت، فهو نائب في البرلمان، ووزير، ومعجون بالعملية السياسية وتفاصيلها، وقد تسنى لي خلال متابعتي لحملته الانتخابية خلال الأشهر الماضية أن أحضر له ندوة عامة، كان خان فيها يتحدث كسياسي وبرلماني لندني، لم يكن مختلفاً فيه إلا سحنة جلده، وخلفيته الاجتماعية والدينية، وهي التي سعى العالمان المتمدن والمتخلف، إلى التركيز عليها، للإبقاء على حالة الخوف بين البشر، ورفض التعايش نهائياً؛ فالتطرف والخوف وجهان لعملة واحدة، مهما بدت على المتطرفين سمات التمدن والتحضر، أو التخلف إن شئت، يبرز أحدهم عندما يعلو نجم خصمه.
كان خان يركز بوعي على مشكلة الإسكان، وكان المحافظون والمرشح المنافس المليونير زاك غولدسميث يركزون على خلفيته الدينية، كانت شقيقة غولدسميث “جيمايما”، منتصرة على الخوف، فانتقدت أخاها علناً على أسلوبه الفج ضد خان.
في نهاية الأمر، ورغم الحالة البائسة المتطرفة التي تقود العالم نحو الدمار، وإعلان الفئات المختلفة خوفها من الآخر، وقتلها وتصفيتها لمن هو مختلف عنها، لا معها، يظهر لنا قبس من إضاءة، وأمل في عكس الاتجاه، وهكذا كان فوزك يا خان، حقاً دون مبالغة ودون زيادة أو نقصان، انتصاراً على الخوف.