أثناء قرءاتي لكتاب «الفكر العربي وسسيولوجيا الفشل» للكاتب شوقي جلال، استوقفتني عبارة ذات معنى فكري عميق، وهي «المجتمع هو الذي يفكر وليس الفرد» وعلل ذلك بأنه لا يوجد إنسان يفكر بدون مجتمع.
وهذا يعني ان العقل ليس كينونة مستقلة، ولا ينحصر في مكان او اتجاه واحد، بل هو في كل مكان يوجد به مجتمع يعيش ظواهر مختلفة منها ايجابية ومنها سلبية، وهذا يعني ان حالة التفكير دائما ما تنحصر على الحالة المجتمعية التي يعيش بها هذا الفكر.
لو حاولنا ان نسلط هذه العبارة حول مجتمعاتنا العربية خاصة في الاونة الاخير، فسنجد ان هناك قوى عالمية تخطط وتنفذ، وهي قادرة على تحويل المجتمعات العربية الى مجتمعات مسيرة حسب الحاجة، فتارة نجد التعصب الطائفي يحتل الساحة ويتسيد الجهل العقول ويصبح واقعا، فنجد فكر العامة يتحول حسب الحالة المجتمعية، فغالبا ما يكون المجتمع هو المتحكم بالفكر الذي يخضع للظاهرة المجتمعية التي ترسم من خلال الاعلام الموجه من قبل القوى العالمية التي تسعى الى تحويل مجتمعاتنا الى ادوات تنفذ اجندات دون ان تدرك هذا الأمر، وما حصل ابان الربيع الدموي المسمى بالعربي خير دليل.
ولو نظرنا للحالة المحلية وما يسودها من تعصب بشتى اشكاله خاصة اثناء الحملات الانتخابية المختلفة، ايضا دائما ما نشاهد بأن توجه المجتمع هو من يتحكم بالفكر، وأي شخص يخرج عن هذا التوجه المجتمعي، سيكون من المغضوب عليهم طالما لم يتدحرج فكره نحو التوجه العام، وإن كان هذا التوجه على خطأ، وهذا للأسف اخطر ما يعانيه صاحب الفكر الحر في ظل وجود مجتمع يتحكم حتى بمن يسعى للتفكير، وكل شخص قادر على ان يقيم نفسه.
وهذه الظاهرة ترعرعت في اجواء التعصب القبلي والفئوي والطائفي، حتى استغلت من البعض وأصبحت اداة للمكاسب، الأمر الذي اصاب المجتمع بحالة انقسام حقيقي بين الواقع المر والتصحيح، خاصة ان التصحيح يحتاج الى تحرير الفكر النير من سطوة المجتمع، وهذا يأتي بإرادة اصحاب الفكر التصحيحي بمحاربة اخطاء التوجه المجتمعي المنغلقة على افكار متعصبة نتنة هي اساس كل دمار ولا تتماشى مع المجتمعات المدنية المتطورة.
لا بد ان يتصدر الفكر النير الحالة المجتمعية، والحقيقة تعتبر رؤية مفتوحة وليست مطلقة، الأهم انها تتناسب مع الحالة المرجوة بالمصلحة العامة من دون الخروج عن القيم العامة.