قد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
أقدم هذا البيت الشعري إلى الأستاذ الأخ أحمد الصراف بعدما قرأت ما قاله في (مقال ما قبل الوداع) الذي أعلن فيه نيته التوقف النهائي عن الكتابة بعد نحو عشرين عاماً شعر أنه لم يحقق خلالها شيئاً مما ابتغاه سواء على صعيد القضايا المحلية.. أو على صعيد القضايا التنويرية.
والحقيقة يا أبا طارق أن القضايا المحلية كانت أسهل كثيراً في الكتابة وبناء الآمال بإيجاد الحلول لها.. أما الكتابة (التنويرية) فاعلم أنني غسلت يدي منها ومن نتائجها منذ زمن بعيد.
الجانب التنويري المفقود في مجتمعنا مع الأسف هو ما يؤدي إلى تردي الجانب المحلي، فالتنوير في سلوكنا وعقولنا وتصرفاتنا، ومتى تنورنا انعكس ذلك النور على أفعالنا المحلية.
ولكن المؤسف أن الأوضاع المحلية يصعب جداً إصلاحها بسبب انعدام التنوير وبالتالي تواصل سلوكياتنا الممجوجة المؤدية إلى ذلك.. أما التنوير إذا مارسته في الكويت فأبشر بما لا طاقة لك به من النقد غير الموضوعي – من ضعاف العقول وصولاً الى الشتم والجلد.. الذي لا يشملك وحدك بل يشمل آخرين من أهلك معك!! فأصحاب العقول المظلمة لا يرحمون أحداً بل يستلذون في تعميم الشتائم لإرهاب كل من يحاول التجرؤ ويمارس التنوير.
والنتيجة أن المجتمع يتراجع في الحريات الحقيقية وإن كان تحرر شكلياً في اللباس والمظهر، والصحافة تتراجع في الحريات وإن حققت تقدماً شكلياً.
أما الفضاء الذي امتلأت منه محطات التلفزيون فقد صار أكبر مرتع للتظليم وليس التنوير، ويكفي أن تقلب الريموت كونترول قليلاً لتتعرف على أهل الظلام في الفضائيات الكثيرة.
ازداد نزوع الناس نحو التقاضي وتبادل السباب حتى فاق كل الحدود وتراجع استعداد الناس لأن يعذروا بعضهم البعض، ولهذا يشعر المرء فعلاً كما قلت يا أبا طارق أنه يحرث في الماء!! ويندم المرء الذي يعاني من النور في عقله لأنه في مجتمع مظلم، يندم على أنه لم يقرر الهجرة من الكويت بعدما تحررت من الغزو العراقي الآثم واستعادت فوراً كل أمراضها الاجتماعية والفكرية والطائفية والسياسية والسلوكية وكأنها لم تتعلم شيئاً من أصعب درس يمكن لدولة أن تتلقاه.. ولشعب أن يستوعبه.
الأخ العزيز بوطارق.. اعلم ان سعد زغلول عندما قال «غطيني يا صفية مفيش فايده» كان قد اكتشف الحقيقة المؤلمة منذ ذلك الزمن.. وليس لنا إلا أن نبحث عما نتدثر به في هذا البرد القارس مثلما فعل سعد زغلول، ونزيد عليه (واطفي النور والتنوير يا صفية).