عشت أيام الانهيار الاقتصادي الآسيوي أواخر التسعينيات في شرق آسيا، وأعلم علم اليقين أنه لا فارق كبيرا بين الانهيار الاقتصادي والاحتلال العسكري، فكلاهما مدمّر للبشر والحجر، حيث ينام المواطن قبل حدوثهما هانئا ليلا ليصحو على كوابيس نهارية مرعبة تتمثل في العجز عن الحصول على مواد الحياة الأساسية من غذاء وطاقة وفقدان العملة لقيمتها وخلوّ الأسواق المركزية تماما من البضائع لعدم رغبة أحد في التصدير إلى الدول المبتلاة، ثم تبدأ سريعا القلاقل السياسية والخروقات الأمنية.
***
انخفاض أسعار النفط والعجوزات الاقتصادية المتعاظمة نتيجة ذلك الانخفاض هو أمر أقرب لوجود ورم سرطاني شديد الخطورة في جسد الإنسان أو الأوطان، وهناك دائما خياران للتعامل مع ذلك الورم، الأول: سهل جدا وهو عدم عمل شيء اعتمادا على انه سيضمحل ويختفي من ذاته بمرور الأيام، الخيار الثاني: صعب وفحواه ان تقوم بعملية جراحية تسيل منها الدماء لاستئصال الورم والتخلص منه بشكل دائم، والأكيد ان بعض دولنا الخليجية قد أخذت بالخيار الأول وبعضها الآخر أخذ بالخيار الثاني..
***
نتائج الحلين لا تظهر بين ليلة وضحاها وقد تحتاج الى أعوام قليلة كي تظهر تداعياتها بصورة جليّة فإن اختفى الإشكال السرطاني دون جراحة ودون جهد، ونسبة هذا الأمر لا تزيد على 10-20% كما تثبت تجارب الدول، يكون الدم قد سال دون داع ممن أخذوا بالخيار الثاني، أما إذا ثبت ان خيار التضحية والجراحة الصعبة هو الصحيح كما تظهر تجارب 80-90% من الدول التي لم تنج من مشاكلها الاقتصادية إلا بالخيارات الصعبة فإن ثمن من أخذ بالخيار السهل هو تفشي السرطان القاتل في الجسد وما له من نتائج مدمرة على الأوطان.
***
آخر محطة: الاشتراط الوحيد للأخذ بالخيار الصحيح الثاني الذي يتطلب من الناس التضحية الواجبة لمنع الضرر عنهم هو ان تكون الدولة ومسؤولوها قدوة للمواطنين في النزاهة والكفاءة والأمانة وترشيد الإنفاق، وعدا ذلك سيرفض الجميع أي تضحيات وعمليات جراحية وسينتظر الكل مصيرا أسود ليس منه بد.