تفاعلات القرارات الحكومية المتتالية هذه الأيام تتواصل وتتداخل ما يشعر المرء بالخوف من نتائج تمازج هذه التفاعلات المختلفة وأن تنتج لنا معادلة كيميائية مفاجئة تولد شيئاً ما غير محمود العواقب.
قضيت الشطر الأول نهاري أمس مع أحد الأصدقاء في جنوب الكويت حيث يستكمل بناء جديداً في مزرعته.
جاءه صباحا (برهان الحق) وهو قائد (تنكر مياه) بنغالي الجنسية ممن يعيشون حياتهم بين المزارع ويقضي معظم يومه في مضخة المياه العذبة ينتظر دوره لملء (التنكر) بالمياه ومن ثم التوجه إلى المزارع لتعبئة خزاناتها إما للاستعمال الشخصي وإما للخلط مع المياه المالحة المستخرجة من الآبار الارتوازية التي لا تصلح لري الكثير من المزروعات، وبعد التعبئة يعود إلى المضخة من جديد.. وينتظر الدور.. هذه هي حياته باختصار.
(برهان الحق) هذا اعتذر من صديقي وهو يحاسبه على «لستة» بدائية سجل فيها عدد المرات التي عبأ فيها له المياه ولم يقبض ثمنها حيث اعتاد أن يقبض نهاية كل شهر، وسبب الاعتذار أنه ينوي رفع سعر التعبئة لأن (هكومة سوي فلوس مال ديزل ڤاجد غالي) وهو ينوي رفع السعر من أربعة دنانير إلى خمسة دنانير للتعبئة الواحدة!!
خلصنا من (برهان الحق) فاتجهنا الى عمال البناء الذين يبنون لصاحبنا مبنى جديداً.. زعيمهم (سيف الحق) كان يسكب الاسمنت بعناية على صف من الطابوق ثم اخذ بحشو الاسمنت ما بين كل طابوقتين، وهو يسأل صاحب المكان.. (بابا.. شنو مسكلة مال زواج سفر كويت.. ليس إكامه مال كادم أكو مسكل)؟!
صاحبنا اجابه: القانون قانون، والوافد اذا استبدل جواز سفره أو مدد صلاحية العمل بالجواز يجب ان يخطر الدولة بذلك، وإلا حق عليه العذاب.
هنا حذف العامل (شهيد الحق) طابوقة كان يحملها بيده وينوي تسليمها إلى المعلم (تاج الحق) فوق السقالة.. وصرخ (شهيد الحق) قائلا: «أنا أكو اكامة في زواج مال آنا واهد سنة.. قبل واحد سنة آنا سوي تبديل زواج سفر.. بس معزب قول ماكو مسكلة مو لازم جيب اكامة زواج جديد»!
عندها.. رفع زعيمهم الأكبر (سيف الحق) حاجبه الأيمن وسحب نفساً عميقاً من سيجارته أم الثلاث خمسات وقال ضاحكا: «ها ها ها.. آنا سوي هساب.. أنت غرامة أكو سبعمية دينار فوق لازم ادفع».
وفيما كان (شهيد الحق) يهز رأسه يميناً وشمالاً من التعجب مما يحيق به من مصير ويضرب كفا بكف.. برز من وراء الحائط أخوهم (تاج الحق) ليقول.. «معزب مال آنا ڤاجد زين.. آنا كلم أكو ڤاهد شهر في زواج مال آنا اكامة.. هوّه ودي زواجات سوي اتنين سنة اكامة».
عندها تنهد (شهيد الحق) وقال.. «معزب مال آنا نفر مو زين.. آنا يعطي سبعمية دينار عشان سوي اكامة اثنين سنة.. هوّ قول ماكو مشكلة اكامة موجود زواج قديم مال آنا.. معزب قلطان موآنا.. هوّه لازم ادفع فلوس مال غرامة».
وعندها جاء اخوهم (ناصر الحق) الذي كان يخلط الاسمنت بالصلبوخ ويعبئ به العربانة لزوم صب (شناج) محيط بالمبنى.. فقال.. «آنا معزب ماما هورما.. مشكل ڤاجد ماما هورما.. سوي تلفون قول جيب فلوس.. انا يعطي شوية فلوس ألهين».
وعندها احتدم النقاش بين ابناء (الحاج امين الحق) وبدأت تتعالى اصواتهم واشترك معهم راعي (التنكر) برهان الحق.. وهو من بني عمومتهم.. وخلصوا الى نتيجة واحدة هي ان الحكومة هي المخطئة سواء في رفع اسعار الديزل لأنها سترفع اسعار كل شيء معه، او في نظام الاقامات لانها تجبرهم على شراء اقاماتهم كخدم ثم يعملون في الحرف المختلفة التي يعملون فيها ولولاهم لعانى السوق من نقص شديد.. والآن تأتي الحكومة لتحمل (شهيد الحق) أخوهم مبلغا يفوق السبعمائة دينار وهو يوازي أرباحه من الكدح لنحو سنة، معتبرا انه لم يخطئ حيث انه يمتلك إقامة صالحة دفع أموالها للدولة ودفع فوقها أموالا غير مشروعة لكفيله.. والآن يطالبونه بالمزيد من الأموال لأنه لم ينقل اقامته الصالحة أصلاً من جوازه القديم الى جوازه الجديد.. وانتهى النقاش بإعلان (شهيد الحق) وهو الناطق الرسمي باسم أبناء الحاج أمين الحق وبني عمومتهم في الكويت ومجلس التعاون البيان التالي:
«حكومة خلي يولّي.. كفيل خلي يولّي.. بدون إكامة أحسن»!!
هذا ما يخص الأخوة أبناء (أمين الحق) أما أنا.. فإنني استغرب من تفنن الدولة في خلق المشاكل مع الفئات الاجتماعية بالتتابع.. مرة مع الاخوة الليبراليين.. ومرة مع الاخوة الشيعة.. ومرة مع الاخوة ابناء القبائل.. ومرة مع الاخوة في المعارضة.. ومرة مع الاخوان.. ثم مع الموالاة.. وأخيرا.. مع الاخوة الوافدين؟!
هل كل هذا يحدث بالصدفة؟ ام هو مخطط مدروس لإبقاء الناس في حالة انشغال دائم؟.. الله وحده يعلم.