أثناء الطريق، شاهدت طفلا منكسرا، ملامحه البريئة تسودها الهموم والأحزان والمآسي يتجول بين السيارات عند إشارة المرور بغرض بيع العطور والألعاب.
مشهد الطفل شغل فكري الأمر الذي جعلني أعود إلى إشارة المرور وحزني يحمل جملة أسئلة للطفل، وفعلا توقفت بجانب الطفل وقلت له أنت صغير .. لماذا أنت هنا تبيع عطورا أليس الأفضل أن تتفرغ لدراستك؟ فقال وهو حزين «احنا فقراء من فئة (البدون) ووالدي لا يعمل ولا يستطيع تحمل المصاريف التي نحتاجها أثناء الدراسة، فالأولى أن نعيش ومن ثم نفكر في الدراسة وأنا هنا كي نعيش» هذه الكلمات كانت خلاصة حديثي مع الطفل المهموم.
كلمات الطفل جعلت يومي كئيبا، وكأنني أحمل مصائب العالم على رأسي، الأمر الذي جعلني أهتم بصغار السن الذين يبيعون الخضار على الأرصفة، ومنهم من يبيعون «السي دي» أمام الجمعيات التعاونية.
فاهتمامي جعلني أذهب إلى مجموعة من صغار السن من الذين يبيعون الخضار وسألتهم عن جنسياتهم وكانت أغلبيتهم من فئة «البدون» وكررت سؤالي الذي سألته للطفل عند إشارة المرور عن سبب بيعهم وهم صغار بالسن؟ فقال أحدهم لماذا تسأل، قلت لأن من في سنكم يجب أن يهتم بدراسته ومستقبله، فكانت إجاباتهم إظهار كل ما هو مخزون في قلوبهم من هموم ومتاعب ومصاعب وإهانات نتيجة قساوة الحياة، بصراحة لن أستطيع أن أنقل كل ما قالوه عن مشاكلهم لأنها أكبر قدرا من وصف المأساة في مقال لما تحمل من جوانب تهتز لها الإنسانية.
ولكن باختصار، أغلبيتهم قالوا نحن نعيش على هذا العمل ولم نجد من يساعدنا، وكل ما نبحث عنه هو العيش بستر.
عندما ذكروا لي كلمة «مساعدات» على الفور قلت لهم اذهبوا إلى اللجان الخيرية واشرحوا لهم ظروفكم الصعبة حتى يساعدوكم، وقالوا أباؤنا ذهبوا إلى اللجان الخيرية ولكن كانت طلباتهم تعجيزية ومن لا يحملون بطاقات أمنية غير صالحة لا يتم استقبالهم ولا توجد أي مراعاة لظروفنا، ومنهم قال «يا أخي أقولها لك بصراحة لا توجد لدينا واسطة تسهل لنا عملية المساعدات».
طبعا بعد كلامهم لي، غادرت المكان وأنا في حالة ذهول شديد من التفكير بشأن هؤلاء المساكين، وقلت لنفسي هل يعقل نحن في بلد الخير الذي غطى العالم بخيراته وهؤلاء يعيشون بيننا يعانون قساوة تجاهلنا لهم، واستمرت جولتي إلى أن انتقلت لمكان أخر وكانوا يقولون ويرددون نفس الأسطوانة المأساوية، حتى أن أحدهم قال: «نحن لم نجد من يساعدنا وقضيتنا باتت للمتاجرة السياسية ولم نحصل على حقوقنا، والآن لا نريد إلا أن نساعد أنفسنا للحصول على لقمة العيش بالحلال، ولكننا نجد مضايقات من جهات حكومية وسجلت قضايا على بعضنا، ولو منعونا من البيع سوف نموت من الجوع والله يا أخي».
لا نقبل على بلدنا ما يحدث من مآس ولا نقبل إهانة من يعيش معنا باحترام، أليست الكويت هي بلد الخير؟ أليس أهل الكويت أهل التبرعات؟ صرفنا المليارات كمنح لدول صديقة، وعقدنا المؤتمرات لجمع الملايين للمحتاجين، وأبواب دواوين أهل الكويت مفتوحة لاستقبال التبرعات لإخواننا المنكوبين في سورية وغيرها، فلماذا لا نفتح أبواب السعادة لأطفال «البدون» وأسرهم؟.
كلنا يعلم أن اللجان الخيرية تأسست من أجل مساعدة الفقراء والمحتاجين بهدف توفير حياة كريمة لهم، وهذه اللجان معروف عنها انها تساعد من هم في أقصى العالم، رغم وجود محتاجين داخل الكويت. لذا أتمنى بعد نشر هذا المقال أن أكحل عيني بمشاهدة اعلان ولو واحدا في الشوارع يدعوا لمساعدة فقراء الكويت خاصة من فئة «البدون» بدلا من مشاهدتنا لكثرة الإعلانات «ساعدوا إخوانكم في آسيا» و«امسحوا دمعة طفل في أفريقيا» مع العلم أن أطفال البدون هم من يحتاج أن تمسحوا دموعهم التي ستحاسبكم أمام الله يوم لا ينفع لا مال ولا بنون، وكما يقال «الأقربون أولى بالمعروف».