كان ذلك في صيف عام 1993، حين دعانى صديق ورجل أعمال لبنانى للغداء في منزله الواقع في منطقة «بعلبك» بمحافظة «البقاع» الذى يقع بالكامل تحت سيطرة إثنان لا ثالث لهما: «غازى كنعان» رئيس جهاز «الأمن والإستطلاع» السوري وهو المسمى «المخفف» لجهاز المخابرات و..«سماحة السيد حسن نصرالله» زعيم حزب الله! و..«الله وكيلك ما في حدا..غيرهم»!!
تبلغ مساحة «سهل البقاع» هذا حوالى نصف مليون هكتار -أى ما يعادل 42 بالمائة من المساحة الكلية لجمهورية لبنان الشقيق- يعتبر «سلة الغذاء» ليس للبنانيين فقط، بل لكل دول الخليج، إذ يصلنا منه الخضار والفواكه والبقوليات وكذلك..الحشيش!!
مساحة الأرض الصالحة للزراعة فيه تبلغ حوالى 150 ألف هكتار نصفها مزروعة بالحشيش و..القنب والخشخاش، تديرها مافيات وإمبراطوريات ما بين رجال المخابرات السورية وعائلات متنفذة في..لبنان!!ليس هذا موضوعنا، بل الموضوع وليمة الغداء تلك عند صديقى رجل الأعمال اللبنانى!
كنت في «زحلة» القريبة مستمتعاً بمشاهدة وسماع صوت نهر «البردونى» وهو ينساب من بين الجبال، ومتلذذاً بالموائد الشهية لمطاعمه من «المشاوى والكلاوى والحمص والفتوش والكبب والفواكه»، وهذه الأخيرة تعنى «لحمة نيه بالبرغل وخلطات خاصة» يشتهر بها سكان لبنان الشيعه في الجنوب وفي الشمال..حيث أتواجد أنا!!
أرسل لى الرجل سيارته وسائقه ووصلت إلى منزله، وهو فيلا جميلة بناها على قطعة أرض مساحتها ثلاثه آلاف متر مربع، وعندما سألته عن سعر متر الأرض عندهم، أطلق ضحكة عاليه وقال: «سعر الأرض في هذه المنطقة ستة دولارات، بينما يبلغ سعر السجاد -الموكيت- عشرة دولارات»!!
ثم أكمل: «أين تجد بلداً سعر متر السجاد أغلى من الأرض إلا في لبنان»؟!
إستفسرت عن السبب فأجاب: «الولى الإيرانى الفقيه ورجاله، لقد إنتشروا في السهل والوادى، بضائع البقالات إيرانيه!! الأدوات الكهربائية إيرانيه!! قطع الغيار صناعة إيرانيه، أثاث المنازل..إيرانى، بل حتى المؤذن الذى يرفع الذان للصلاة..إيرانى»!!
في ذات اللحظة، إرتفع صوت آذان صلاة الظهر، ولم يكن صعباً على مواطن كويتى أن يعرف إن المؤذن إيرانى بسبب «البدليات» والنبرة ورخامة الصوت!!
أستطرد الرجل في حديثه قائلاً: «حتى شركات المقاولات التى تقوم بعملها هنا سواء لمشاريع حكومية أو خاصة بالأهالى مملوكه لرجال أعمال يتبعون حزب الله وليس مسموحاً لغيرهم أن يدخل إلى سوقنا، نحن الأن جزء من الجمهورية الإسلامية في إيران، لذلك ينفر منا المستثمر الكويتى والسعودي والإماراتى وأى مغترب لبنانى يريد الإستثمار في بلده عقب سنوات من الغربة، لذلك كلهم يتوجهون إلى المناطق المسيحية والدرزية في بحمدون وحمانا وعاليه وصوفر»!!
ثم أطلق تنهيدة ساخنه وختم كلامه بالقول: «وإحنا ماإلنا غيرك..يالله»!!
كنا جالسين في الحديقه، وما إن انتهى من حديثه حتى سمعنا صراخاً وجدلاً في أحد أطرافها، وبعد السؤال والتقصى، تبين لنا التالى: أحد المدعوين على الغداء معنا وهو رجل أعمال لبنانى من شيعه جنوب لبنان ومغترب في «سيراليون» كان يرد على مزارع يتولى مسؤولية الإهتمام بالحديقه وهو شيعى من الشمال قال لشقيقه «الجنوبى»: «إنكم -يا شيعه الجنوب- جبناء، ما أن تضربكم إسرائيل حتى تحملوا متاعكم وتهربوا إلى العاصمة بيروت، بينما نتوجه نحن شيعه الشمال إلى الجنوب لقتال..اليهود»!!
قلت لصديقى صاحب الدعوة: «وكأن لبنان ينقصه بلاوى جديدة تضاف إلى بلاويه حتى ياتى الأن هذا الصراع الشيعى-الشيعى بين سكان بلد واحد أبعد مسافة فيه لا تزيد عن 150 كيلو متراً»!!
عنوان المقال: «شيعه السفارة الأميركية» مصطلح جديد لم أخترعه أنا، وليس من بنات أفكارى ولا يمكن أن يصدر عنى، وحتى لا يقال: «فؤاد الهاشم يهاجم الشيعه ويكره الشيعه وينتقد الشيعه»، لأن ذلك ليس من طبعى، فأنا أهاجم وأكره وأنتقد كل من يتاجر بالدين سواء كان سنياً أو شيعياً أو بوذياً أو سرورياً أو جامياً أو..زقمبياً، أو حتى..نانسياً عجرمياً!!
هذا المصطلح إخترعه سماحة السيد «حسن نصرالله» زعيم حزب الله اللبنانى، وأطلقه على الشيعه اللبنانيين-الشمالى والجنوبي على حد سواء- ممن يعارضون سياسة «الولى الفقيه وسماحة السيد وعمائم حارة حريك وحى السلم وبقيه قطاعات الضاحية الجنوبية»!!
بعد أن عمدوا إلى تنظيم مظاهرات ووقفات إجتماعية وسط العاصمة إستنكاراً لممارسات الحزب وتعطيله لمشروع إختيار رئيس للجمهورية وتبعيته المطلقه -بالطبع- لصاحب العمامة الذى يبعد عن بلدهم ثلاثة آلاف كيلومتر وسط..طهران!!
«شيعه السفارة الأميركية» مسمار جديد إضيف إلى مسمار «شيعه الجنوب الذى يخشون مواجهة إسرائيل» -كما يدعى مزارع شيعى من الشمال- وبين أهل منطقة تبلغ مساحتها نصف مساحة بلدهم سعر متر «الموكيت» عندهم أغلى من سعر متر..الأرض!!
هذا هو..لبنان، وكما يقول المثل الشعبى عندهم: «أبو البصل وأمه الثوم، من وين بدها تجى الريح..الطيبه»؟!