كتبت مقالا سابقا بعنوان «عجز الموانة الكويتية مش منطق أبداً»، تصديت فيها لأكذوبة أن الموازنة الكويتية ستواجه عجزاً خطيراً نتيجة تراجع أسعار النفط العالمية، وذلك من خلال طرح العديد من الأرقام والاحصائيات الصادرة من مختلف الجهات التابعة للسلطة، والتي تؤكد مدى قوة الملاءة المالية للدولة، وهذا ما تؤكده أيضاً مختلف التقارير الدولية، ففي تقرير وكالة «فيتش العالمية للتصنيف الائتماني» الأخير أكدت بأن تصنيف دولة الكويت الائتماني السيادي لعام 2014 قد حصل على مرتبة «A.A» مع نظرة مستقبلية مستقرة «وهو أعلى تصنيف تمنحه المؤسسة في تقيمها للوضع الائتماني لمختلف الدول»، حيث توقعت الوكالة بأن تستمر الفوائض المالية لدولة الكويت عند نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي لغاية عام 2016، حيث قدرت الوكالة سعر برميل النفط عند نقطة التوازي للموازنة العامة والحساب الجاري عند 48 دولار و 40 دولار للبرميل، وهذا ما تم تأكيده في مقالي السابق بأن لا خوف على الكويت حتى لو وصل سعر بيرميل النفط عند 35 دولارا. إن هذه التقارير والتأكيدات يجب أن تكون مفرحه للسلطة، وأن تعمل على تعزيزها وتتفاخر بها، ولكن واقع الحال يقول عكس ذلك، فمن الواضح أن السلطة تحزن عندما تنجز وتنجح في أي أمر.
لقد انعكس حزن السلطة لتحقيقها إنجازا نسبيا استطاعت من خلاله المحافظة الموازنة العامة لدولة الكويت من أخطار العجز، في التضارب الكبير لمختلف تصريحات مسؤولي الدولة بهذا الشأن فمنهم من يهول ويضخم الأمر، ويصف بأن الوضع خطير «كالسكين وصلت العظم، وأن نفس السكين أيضاً طافت العظم»، وهناك أيضاً من يطمئن على استحياء بأن الكويت لن تتأثر من انخفاض أسعار النفط العالمية «أرسولكم على بر ذبحتونا». هذا التضارب الواضح يؤشر إلى أن هناك أزمة تعيشها السلطة اليوم في إدارة شؤون البلاد والعباد، نعم أزمة إدارة أدت إلى تراجع الكويت على جميع المستويات، فبعد أن كنا درة الخليج أصبحنا للأسف ماضي الخليج، فالأموال والإمكانيات متوفرة، والشباب الرائع كثر، ولكن ما ينقصنا القدرة على الإدارة، حتى وصل الأمر أن السلطة قد تعودت على الفشل، وأن يقال لها بشكل دائم يافاشلة، وأن مفهوم الإنجاز والنجاح أصبح خارج قاموسها، فعلاً إنه أمر محزن ومخجل.
نعود لمربط الفرس تعيش السلطة كما أسلفنا أزمة إدراة. كيف ذلك؟ كلنا يعي أن الكويت مرت بما يربو عن عقد من الزمان حققت فيه العديد من الفوائض المالية الكبيرة، ولكن للأسف هذه الفوائض لم يتم استغلالها وإدراتها بشكل يدفع بالجهود التنموية نحو التحقيق، ولك أن تعرف عزيزي القارئ بأن الكويت تعد أقل دول مجلس التعاون الخليجي إنفاقاً على المشاريع العامة، بالرغم من أنها أكثر الدول تحقيقاً للفوائض المالية، ولك أن تعلم أمر غاية في الأهمية أن تلك الفوائض المالية ماهي إلا دليل فشل الدولة على إنجاز المشروعات، لأن إنجاز المشروعات مقترن بتمويلها والصرف على تنفيذها، ففي حال عدم أو ضعف الإنجاز تتراكم الفوائض، فكلنا يعي أن آخر مستشفى حكومي متكامل تم إنشاؤه قبل أكثر من 25 عاما، وليس لدينا إلا جامعة حكومية واحده، وهناك أزمة سكن، وبنية تحتية مترهلة.
ولك أيضاً عزيزي القارئ أن تعرف بأن المواطن الكويتي لم تتحسن حالته المعيشية، هناك أكثر من 31 ألف أسرة كويتية من ذوي الدخل المحدود، وأنها تعتمد على المساعدات والدعم الحكومي، وأن هذه الشريحة في إزدياد، والذي لو تقلص أو انخفض «الدعم» الموجه إلها سيحولها من شريحة ذوي الدخل المحدود إلى شريحة الفقراء، وهناك أيضاً أكثر من 316 ألف مواطن يعاني من الديون لصالح المؤسسات المالية، مما أثقل كاهله وقدرته على الإستهلاك، ولك أن تعرف بحسب آخر التقرير أن القدرة الإنفاقية للمواطن الكويتي قد انخفضت بنسبة 8% بالرغم من الفوائض المتحققه، صحيح أن السلطة تدعم الأسر بمبلغ 150 دينار كبدل إيجار، ولكن السؤال المطرح ما هو متوسط أسعار إستئجار المسكن؟ أعتقد أنه وصل إلى 400 دينار كويتي في المتوسط. أضف إلى ذلك أن الدولة يكلفها الطالب نحو 4500 دينار كويتي في مختلف مراحل التعليم الأساسي الحكومي سنوياً، وبالرغم من هذا الانفاق الكبير نسبياً إلا أن جودة ومستوى التعليم منخفضة، مما دفع الكثير من الأسر إلى إلحاق أبنائها بمدارس القطاع الخاص وتكبدها التزامات مالية أخرى رغبة منهم في تحصيل علمي أفضل للأبناء، علماً بأن هناك اليوم نحو 100 ألف طالب كويتي ملتحقين بالمدارس الخاصة، وهذا الأمر أيضاً ينطبق على القطاع الصحي وغيره من القطاعات.
خلاصة القول إننا في الكويت نعيش أزمة إدارة بالرغم من توافر الأموال والإمكانيات والشباب المؤهل، نعم سلطة غير قادرة على تنفيذ التزاماتها، غير قادرة على التطوير، والإنجاز، سياسات متعثرة، ومشروعات متعطلة، إن تلك الأمور أدت إلى تراجع الكويت، فلذلك نقول للسلطة إن الشرعية كما تدرس وتفسر هي «رضا الشعب عن من يدير شؤونه»، وأن هذا الرضا مرتبط بشكل جلي بالإنجاز، فلذلك أنجزوا يرحمكم الله.
ولكن كما يقال:
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي!